الثورة – باريس -أحمد صلال :
قرب طهران، تقود رحلة عادية بالسيارة إلى دوامة مُذهلة، صُوّر فيلم “حادث بسيط” سرًاً، وهو فيلم حيوي ذو تأثير سياسي بالغ الأهمية.
بدأ قصة الفيلم بدهس كلب عادي، حادث بسيط دون عواقب وخيمة (باستثناء الكلب)، في التلال المطلة على طهران، في طريق العودة إلى منزل عائلة صغيرة، يحصل تصادم بسيط، ومع ذلك، تسوء الأمور.
أولاً، تعطل محرك السيارة، مما أجبر السائق على التوقف، مع زوجته “الحامل” وطفله، لطلب المساعدة في أول متجر يصادفه. هذا السائق، الذي قُدِّمَ صدفةً، البطل وحيد، الذي يعمل في المحميّة، لا يحتاج إلى رؤيته ليصدّق أنه يتعرف عليه. يكفي أن يسمع صوت عرجه، ولكن هل هذا حقًا إقبال الشرير – المعروف بـ”الساق” بسبب ساقه الاصطناعية – حارس السجن الذي عذبه ذات مرة، وصدمه، و”قتله ألف مرة”؟…تساور وحيد الشكوك حتى بعد تعقبه بحماس، ثم اختطافه، وجرّه في شاحنته، وكاد يدفنه حياً في ركنٍ قاحلٍ مهجور، قرب شجرةٍ ميتةٍ تُذكر بمشانق النظام المشؤومة.
وهكذا يبدأ البحث المحموم عن معارضين آخرين، ضحايا ديكتاتورية النظام، عن شهود آخرين قادرين على تحديد هويّة جلادهم المشترك رسميا إنها بداية سلسلةٍ مُذهلة من المواجهات والعواقب، من الغضب والتضامن، من الأخطاء والتشنّجات والانعطافات، بحثًا عن الحقيقة والتعويض.
صُوّر الفيلم سراً في طهران (من دون أي تمويل إيراني)، وتحت أنظار الرقابة، وهو نموذجٌ لسينما جعفر بناهي “على متن المركبة”، الذي لا يعرف، على الأقل منذ فيلم “تاكسي طهران”، كيف يُحاصر توترات المجتمع في بيئة مغلقة داخل مركبة متحركة، حواراتٌ دقيقةٌ مُتشنجة، وألمٌ وغضبٌ مُنتزعٌ من الواقع العام في فيلم يثير صور حياتية بإنجاز إخراجي تحت الضغط، يُثبت فيلم “الحادث البسيط”، الذي عُرض في المسابقة الرسمية لمهرجان كان بدورته الأخيرة ، مرة أخرى مدى أهمية جعفر بناهي كمخرج سياسي. اضطُهد لسنوات طويلة، سبق له أن حظي شخصياً بتكريم السينما العالميّة (من بينها جائزة السيناريو عن فيلم “ثلاثة وجوه” في مهرجان كان السينمائي عام 2018، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان البندقية السينمائي عام 2022 عن فيلم “لا دب”. هذا العام، ولأول مرّة منذ خمسة عشر عاماً، حاضر أخيراً على شاطئ الكروازيت ليدافع، مراراً وتكراراً، عن إيران الأخرى التي لا تحمل سلاحاً.
