الثورة – عمار النعمة:
شهد اليوم الثالث من ملتقى الكتّاب السوريين، الذي تقيمه وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب في المكتبة الوطنية بدمشق حراكاً ثقافياً لافتاً، إذ تنوعت الفعاليات بين الفكر والأدب والسياسة، بحضور وزير الثقافة الشاعر محمد ياسين صالح، ورئيس اتحاد الكتاب العرب الشاعر محمد طه عثمان، وحشد من الكتّاب والمثقفين والإعلاميين.
“الهوية الثقافية السورية” عنوان الندوة التي بدأ بها اليوم الثالث من ملتقى الكتاب السوريين، والتي أدارها الدكتور علي أبو زيد، مؤكداً أن الهوية الثقافية السورية تبنى على أسس راسخة من التراث والفكر والأخلاق، لكنها تعرضت للتشويه في الفترات السابقة، متسائلاً: “كيف رصد الأدب هذه الظاهرة؟ وكيف يرى الهوية الثقافية السورية الجديدة؟.
وأشار إلى أن الأدب، في طرفيه الإيجابي والسلبي، استطاع أن يُظهر كل شيء، فالأدب السلبي كشف الانحياز الثقافي، بينما الأدب الإيجابي، وخاصة من أدباء المغترب، رصد التحولات وانتقدها وقدم بدائل.
وأضاف: نتمنى أن تعود الهوية الثقافية السورية التي تقوم على الحرية والكرامة، وأن تعود المنابر لأصحابها الحقيقيين، لا لأدباء السلطة والطغيان”.
بدوره الدكتور لؤي خليل عبر عن سعادته بالعودة إلى المكتبة الوطنية بدمشق بعد انقطاع دام 13 عاماً، معتبراً أن ذلك مؤشر على بدء تعافي الثقافة السورية.
ولفت إلى أن “الهوية الثقافية في النص” بمعنى كيف تبدت في النصوص، وبالتالي نحن نبحث داخل النصوص المعلن والمضمر ونركز على المضمرات والتحيزات داخل النصوص التي تعكس موقف الجماعة في المجتمع السوري.
وأضاف: نركز على مسألة مهمة وهي العلاقة بين النسقين المدني والريفي بصفتها تعبر عن الحالة الجماعية الكبرى في سوريا. وفي تصريح لصحيفة الثورة قال الدكتور خليل: نحن نطمح لهوية بعد التحرير، فقد كان لدينا هوية قبل التحرير ولكنها غير واضحة وقهرية ومائعة، وإذا كانت قهرية فلا نستطيع أن نأخذ ملامح حقيقية للمجتمع السوري، ولذلك يجب علينا الآن أن نبحث عن طبيعة الهوية السورية لأننا لسنا كياناً واحداً، نحن هوية متعددة، وهذا التعدد لا يعني الاختلاف، بل نستطيع أن نقول بأنها هوية متعددة مندمجة، نقبل الآخر لكن ضمن ثقافة عامة تربط هذا المجتمع مع بعضه.
وأضاف: حتى المجتمعات الغربية بدأت تترك مسألة التعدد الثقافي لأنها غير مناسبة لها، وبالتالي تسعى لما يمسى الاندماج الثقافي.
مختتماً بالقول: نحن نريد أن نبقى ضمن ما هي عليه لكن ضمن حالة من الاندماج العام من دون أن نلغي الحدود، هذه هي التعددية الثقافية المبنية على الحرية وقبول الآخر، ولكن ضمن بوتقة واحدة.
الكاتب والشاعر الدكتور إياس غالب الرشيد، تحدث عن الموقف النقدي من الشعر منذ سقراط، مروراً بأفلاطون فأرسطو، وأن الحضارة اليونانية تعتقد أن الشاعر عليه أن يكون فاضلاً، وهذا من وحي عبارة شهيرة لسقراط “أن المعرفة هي فضيلة”، وهذه العبارة انسحبت على الفكر اليوناني عموماً، ومن المصادفات العجيبة أن الموقف الإسلامي يتطابق مع هذه العبارة، إذ إن أفلاطون طرد الشعراء من الجمهورية لأنهم يكذبون ويزيفون الحقائق، لكن أرسطو استرد نصفهم فقال: من يخيل الفضائل يبقى، ومن يخيل الرذائل يرحل، وهذا موقف القرآن الكريم.
ولفت الدكتور الرشيد إلى أن الأنظمة الرسمية في القرن العشرين حاولت أن تستعبد الشاعر وتجنده لصالح ماكينة تزّيف الوعي، لقد نجحت في بعض المواطن، وفي بعض المواطن استطاع بعض الشعراء أن يفلتوا، ونجد الكثير من شعراء المعارضة الذين قدموا هجائيات كبيرة فككوا من خلالها مقولات هذه الأنظمة وتفهوها وأبرزوا تناقضاتها.. ولكن للأسف هناك طيف آخر ركب متن السلطة.
يجب ألا نفصل هوية الثورة وهوية ما بعد التحرير لأن الهوية الثقافية السورية الحقيقية في الثورة تشكلت في البلاد أو خارجها، نحن الآن لا نريد أن نبدأ بهوية ثقافية بل نريد أن نكمل سيرورة هوية الثورة المبنية على الحرية والكرامة والعزة.
وجاءت كلمات المشاركين لتؤكد أن الهوية الثقافية السورية تمر بمرحلة إعادة تشكل، وأن الأدب والفكر قادران على رسم ملامح هذه الهوية الجديدة، التي تقوم على الحرية، الكرامة، والتعددية المنفتحة.
الوطن يتنفس شعراً
تلا الندوة أمسية شعرية اجتمع فيها الشعراء حسان عربش، أحمد شحود، وإياد الخطيب ليغزلوا من الحروف مرآةً لسوريا، تلك التي تنزف ولا تنكسر، وتبكي ولا تنسى أن تبتسم.
كانت الأمسية أشبه بنداء من القلب، سبرت أغوار الحزن السوري، ووقفت بخشوع أمام أرواح من غادروا هذا العالم، تاركين خلفهم ظلالًا من الذكرى ووهجاً من الأمل.
في كل بيت شعري، كان الوطن يتنفس، وكان الإنسان السوري يتجلى بصموده، بحلمه، وبتمسكه بأرضه التي لا تقبل القسمة ولا تعرف الانكسار، دعوة الأمسية كانت واضحة: لنبنِ خطاباً ثقافياً جامعاً يحفظ هوية سوريا، ويصون وحدتها، ويعيد للقصيدة دورها كجسر بين القلوب.
وفي الختام نظّمت ندوة بعنوان “أثر الكاتب السياسي في المهجر بين الثورة والدولة”، وناقشت تطورات الخطاب الثقافي والسياسي في أوساط المثقفين السوريين في الخارج، بمشاركة نخبة من المفكرين والكتاب، بينهم الدكتور والإعلامي عباس شريفة، والكاتب أحمد قربي، والدكتورة حنان عكاش، والدكتور أحمد زيدان.
كما تناولت الندوة التحولات الفكرية التي طرأت على المثقف السوري منذ انطلاق الثورة، ومدى قدرته على تجاوز الشعارات الثورية نحو صياغة رؤية عقلانية تؤسس لدولة المواطنة والدستور والمؤسسات، من دون إعادة إنتاج الأزمة السياسية والاجتماعية.