ثورة أون لاين- بيداء قطليش :
الكثير من المؤشرات بدأت تدل على تصدع في بنية “الناتو”، حيث التصريحات النارية والتلاسن وتراشق الاتهامات وكيل الانتقادات اللاذعة بين أعضائه باتت تطفو على السطح الإعلامي لتؤكد حالة واضحة من التفكك والانقسام تهيمن عليه، وقد تقود إلى انفراط عقد المصالح الذي يجمع بين دوله الأعضاء، فتضارب الرؤى الاستعمارية والاستئثار بالصفقات في أكثر من مكان بدأ يلقي بظلاله على مشهد الناتو بأكمله.
فمنذ أن أعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أن حلف شمال الأطلسي أصبح ميتاً دماغياً يتصاعد الجدل والنقاش داخل أروقة هذا الحلف وفي الدول المنضوية تحت لوائه، عن مصيره الذي بات على المحك، لاسيما في ظل تقارير تتوالى أيضا عن خلافات عميقة بشأن استراتيجيته وتمويله وخططه، وربما هذا يقود إلى القيام بمراجعة عميقة لدوره بالنظر إلى التقلبات المتسارعة بشأن توازن القوى العسكرية في العالم.
ومن الدلائل المتزايدة على إمكانية تصدع الحلف، هو ما يساهم فيه نظام أردوغان في تعميق حدة الخلافات، وذلك على خلفية الحرب الإرهابية على سورية واستغلاله قضية “اللاجئين” ورفعها فزاعة في وجه الأوروبيين، دون أن نتجاهل امتعاض الرئيس الأميركي دونالد ترامب من المساهمة المالية الأوروبية التي وصفها بالضعيفة تجاه هذا الحلف وطريقته المستفزة في التعاطي مع بقية الأعضاء.
اوردغان العثماني يحاول أن يستقوي بعضويته في الناتو من جهة، ويعتمد المناكفات العلنية مع القوى الغربية المنضوية تحت الخلف من جهة ثانية، وقد صبت حادثة الفرقاطات الفرنسية في البحر المتوسط الزيت على النار، حيث وصف ماكرون أن هذه الحادثة غير المقبولة، وقال بأن الحادث العسكري البحري الأخير بين فرنسا وتركيا في المتوسط، والذي يحقق فيه حلف الناتو، يشكل “أحد أبرز الإثباتات على الموت السريري” للحلف.
وفتح الناتو الخميس الماضي تحقيقا بعد بضعة أيام من إدانة فرنسا السلوك “العدواني للغاية” لتركيا، العضو أيضا في الحلف إزاء فرقاطة فرنسية من عداد عملية “إيريني” الأوروبية في المتوسط خلال محاولتها تفتيش سفينة شحن يشتبه في نقلها أسلحة إلى ليبيا.
وقال ماكرون “نحن الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف الأطلسي، المعنيون في هذا الأمر، نسلم بمواقفنا الضعيفة أو الملتبسة، زمام المبادرة للقوى غير المتعاونة”.
دائرة خلافات الناتو تتسع حيث يؤكد المشهد القادم من ليبيا على ذلك أيضا، حيث يتواجه أعضاء الحلف عسكرياً بالواسطة على الأراضي الليبية بسبب تناقض المصالح والأجندات، وليس مستبعداً أن نشهد تفكك الحلف في وقت قريب إذا ما انتخب ترامب مجددا، أو حاول الأوروبيون انتهاج سياسة مستقلة عن واشنطن من القضايا المطروحة على الساحة العالمية، وهذا ما أكدته الحرب الكلامية بين النظامين التركي والفرنسي، بعد اتهامات الجانب الفرنسي للدور التركي في الدولة الليبية التي تمزقها الحرب منذ حوالي 10 سنوات، لترد الأخرى بأن فرنسا هي من تلعب لعبة خطيرة في ليبيا وتحاول نشر الفوضى على الأراضي الليبية، وبأنها تصعد التوتر في شرق البحر المتوسط بدلا من العمل على تحقيق الأمن والاستقرار فيه.
يذكر أن حلف شمال الأطلسي ” الناتو” هو من مخلفات الحرب الباردة تأسس في 4 نيسان عام 1949 بناء على معاهدة شمال الأطلسي التي تم التوقيع عليها في واشنطن، ويشكل الحلف نظاما للدفاع الجماعي تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم على دوله، لكن حقيقته عبر التاريخ وفقاً لما سجلته الأحداث التي شارك فيها تنم عن حقيقة مغايرة بحيث شكل الحلف العنوان العريض للاعتداءات المتكررة على الدول المستقلة والتدخل في شؤون الدول الداخلية بقصد تغيير الأنظمة والسطو على مقدرات الشعوب