ثورة أون لاين – رامز محفوظ:
عبر التاريخ وواشنطن تضع مصالحها السياسية والاقتصادية العليا فوق كل اعتبار، وترمي حليفها قبل عدوها جانباً بهدف الحصول على مكاسب تحاول من خلالها الوصول إلى أهدافها ومبتغاها.
فالعلاقة الأميركية الأوروبية التي نشأت منذ عقود على قاعدة التبعية الأوروبية العمياء يبدو أنها تتجه اليوم نحو منحى جديد على خلفية رفض الإدارة الأميركية دخول مواطنين أوروبيين إلى أراضيها سابقاً تحت ذريعة منع انتشار فيروس كورونا في البلاد، وهو ما لاقى رداً بالمثل اليوم من قبل الأوروبيين على الخطوة الأميركية.
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية كشفت اليوم أن دول الاتحاد الأوروبي التي تحاول إحياء اقتصادها وإعادة فتح حدودها بعد أشهر من القيود التي فرضتها بسبب جائحة كورونا تستعد لمنع الأميركيين من الدخول إلى أراضيها بعد فشل الولايات المتحدة في السيطرة على تفشي المرض، وأشارت إلى أن هذه الخطوة تمثل ضربة هائلة لمكانة الولايات المتحدة في العالم ورفضاً لطريقة تعامل الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع أزمة كورونا.
من يتابع المشهد اليوم يدرك أن العلاقات الأميركية الأوروبية التي كانت وثيقة ومتينة وقائمة على الرضوخ والتبعية للإرادة الأميركية تسير في اتجاه مغاير للواقع الحالي لعلاقات الجانبين التي من المحتمل أن تتجه نحو تصعيد جديد غير مسبوق قد يضع هذه العلاقة على المحك ويرسم إشارات تعجب واستفهام حول احتمال خلق حالة توتر جديدة بينهما مغايرة لواقع العلاقة الوطيدة بينهما.
على المقلب الآخر من يقرأ أبعاد ونتائج هذه الخطوة الأوروبية يرى أن الأوروبي قد بدأ يضيق ذرعاً من ممارسات ترامب بحقه ومن استمراره بتهميشه واتخاذه قرارات تضر بحليفه التقليدي الذي كان وما زال يقدم كل صنوف الطاعة للأوامر الأميركية التي ألحقت الأذى به ولم يحصد منها سوى تنامي حالة الحقد والكراهية لساسة القارة العجوز .
بعيداً عن هذه الخطوة فإن الأوروبي الذي كان ولا يزال بلا حول ولا قوة وعاجز عن اتخاذ أي قرار دون الرجوع لسيده الأميركي يتوهم من وراء خطوته هذه أنه قادر أن يسترجع هيبته التي ضاعت نتيجة حماقته وارتهانه المفضوح للمشيئة الأميركية وقد يدفع ثمنها باهظاً ويلقى رداً أميركيا عنيفاً.
بالمحصلة فإن ما يقوم به الأوروبي اليوم ليس إلا محاولة بائسة للخروج من تحت العباءة الأميركية وعودة الاعتبار لنفسها وإيهام نفسها أنها قادرة على التمرد عليه وفرض إرادتها التي ضاعت نتيجة ارتهانها المفضوح له، فما قامت به سابقاً من جرائم بحق الشعوب المستضعفة في العالم بأوامر من سيدها الأميركي وتعاميها عن جرائم الأميركي في سورية والعراق وغيرهما لن يعيد لها مكانتها التي باتت اليوم رهينة للرغبات الأميركية، ولن يغير شيئاً من واقع تبعيتها المفضوحة للأميركي.