ثورة أون لاين – علاء الدين محمد:
إن التراث الإنساني هو المرآة التي ترى من خلالها الأمة -أي أمة- ذاتها، حضارتها، مجدها، تاريخها، وخزين تجاربها عبر القرون، وقد ترك العرب تراثاً فكرياً ضخماً لا نجده عند الأمم الأخرى يتمثل هذا التراث في الملايين من المخطوطات والرسائل التي ألفها القدماء في شتى فنون المعرفة الإنسانية.
كتاب جديد صدر عن دار تموز -ديموزي للكاتب الأستاذ الدكتور حيدر كريم كاظم الجمالي- يتناول الكتاب محاور عديدة منها التحقيق، ماهيته وتعريفاته – هل عرف العرب التحقيق، ثقافة المحقق ومهامه، تحقيق المتن، نسبة الكتاب وتحديد عنوانه وتشخيصه، مؤلف الأصول الخطية، مكملات التحقيق ومحسناته.
حول ثقافة المحقق أشار المؤلف أن تحقيق التراث مركب صعب لا يقربه إلا من رزق الفهم الثاقب والعقل الراجح والثقافة العالية المتنوعة فضلاً عن أنه خطير لمن حرم شيئاً من ذلك، وإلى هذا المعنى يشير الدكتور رمضان عبد التواب إذ يقول (لقد ظن بعض أدعياء العلم أن تحقيق النصوص ونشرها عمل هين سهل وكان لكثرة الدخلاء على هذا الفن أثر في حكمهم هذا) فتحقيق النص ليس بالمهمة اليسيرة فلا بد فيه من معرفة واسعة بالمصادر العربية وطريقة استخدامها والإفادة منها في تصحيح النص، حتى يقترب من أصله الذي كتبه مؤلفه، فالتحقيق في الواقع أصعب عملاً من التأليف، فالمؤلف يكتب العبارة التي يريدها ويعبر عن الفكرة التي تتراءى له كما يحلو له، دون التقيد بشيء، أما المحقق فيجد نفسه مقيداً من كل جانب فهو أمام نص يريد أن يخرجه للناس سليماً، ومن هنا كان عمل المحقق شاقاً. ويقول الطناجي (إن قضية التصحيف والتحريف من أخطر قضايا تحقيق النصوص).
وعن مهام المحقق أوضح الكاتب أن التحقيق أمانة ويجب على المحقق أن يكون صبوراً أميناً لا يتجاوز على النصوص فيغير أو يبدل وإن الجرأة في التحقيق عمل مذموم، ويمدح المحقق الحذر المشفق المتأني، ومن أبرز مهامه: انتخاب مادة التحقيق، جمع الأصول وترتيبها، ودراسة النسخ، ودراسة عصر المؤلف ومحيطه، شخصيته، مبانيه الفكرية والفلسفية، مناهجه في التصنيف مما يزود المحقق باستنباط وتصوير عصر المؤلف وشخصيته بكل ملابساتها وظروفها، ليعيشها المحقق ويحاول تحسسها لتساعده في فهم المتن وإدراكه، لذلك فالتحقيق هو الربط بين ماضي الأمة وحاضرها فهو حلقة الوصل بين الآباء والأجداد والأبناء.