ثورة أون لاين – فؤاد الوادي:
من حيث التوقيت، تبرز دلالة انتخابات مجلس الشعب كامتداد لحالة الصمود والتحدي التي باتت تطبع الشعب السوري للدفاع عن حقوقه السيادية التي لا يمكن المساومة والمراهنة عليها أبداً.
دلالات الصمود واضحة خلف إنجاح هذا الاستحقاق الهام، بكامل أركانه وحوامله، ولعل أهمها هو أنه يعبر عن تماسك مؤسسات الدولة وعن إصرار الشعب السوري على الدفاع عن كل مكتسباته وحقوقه الوطنية برغم كل التصعيد الصهيو- أميركي الحاصل على كل المستويات، ولا سيما حالة الحصار والعقوبات المتواصلة التي تستهدف السوريين في لقمة عيشهم.
من هنا يمكن القول إنه من الخطأ بمكان، الاعتقاد أن صندوق الاقتراع هو مجرد صندوق يحوي قصاصات ورق تحمل أسماء لمرشحين، فالمسألة اليوم أكبر من ذلك بكثير، لأن ذلك الصندوق لا يحوي بداخله أسماء المرشحين للانتخابات فحسب، بل هو يخبئ بين أضلعه مستقبل وطن أضحى بأمس الحاجة إلى ترسيخ الوعي الوطني الجامع الذي يلامس الوجع ويواكب خطورة وأهمية اللحظة وحساسيتها ومفصليتها التاريخية، وعي يحاكي المستقبل ويخاطبه من خلال ذلك الصندوق.
قد يعبر صندوق الاقتراع في بعض دول العالم عن حالة من الترف الحضاري والديمقراطي والسياسي، أو قد يتحول إلى مجرد طقوس وبروتوكولات سياسية يراد بها الاستعراض وتبادل الإطراءات، وفي بعض الأحيان ربما يصبح حالة من الترف السياسي التي قد تصل أحياناً إلى حدود البذخ المفرط، خاصة عند كثير من دول الغرب وتحديداً تلك التي تدعي امتلاكها لفائض كبير من الحريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان، فيما الواقع خلف الكواليس مغاير ومختلف تماماً لجهة محاولاتها المستمرة لاحتلال واستعمار دول وشعوب العالم تحت ستار تلك الحريات والديمقراطيات الزائفة والخادعة التي تصدرها إلى شعوب المنطقة بطرود من الموت والخراب والإرهاب.
لكن الأمر في سورية شيء مختلف تماماً بحكم التجربة التاريخية، حيث لا تعبر العملية الانتخابية عن حدث سياسي، بقدر ما تعبر عن إرث حضاري وتاريخي تختزنه ذاكرة المكان والإنسان، إرث من الوعي الوطني راكمته التجارب بحلاوتها ومرارتها، وأعادت صهره وصقله هذه الظروف الاستثنائية التي لم يشهد التاريخ مثيلاً لها بدمويتها ووحشيتها وكارثيتها، ليعاد إنتاجه وصياغته المرة تلو المرة في أشكال أكثر إبداعاً وجمالاً وقوة وتماسكاً تفضي في نهاية المطاف إلى تحالف وثيق بين الوعي الوطني وصندوق الاقتراع لتكون النتيجة انتصار وفوز كاسح لهذا التحالف الاستثنائي في دلالاته وتوقيته.
ضمن هذا السياق يمكننا القول: إن الوعي المطلوب والمأمول بأهمية هذا الصندوق الصغير بشكله والكبير بطموحاته، خاصة في هذه الظروف الصعبة كما أسلفنا يُعد حاجة وضرورة وطنية ملحة تعكس من جهة الوعي العميق الذي يمتلكه الشعب السوري، وتعبر من جهة أخرى عن صلابة المجتمع السوري وحجم قوته ومدى تماسك منظومة مؤسساته، هذا بالإضافة إلى جملة من الرسائل البالغة الأهمية التي يحملها هذا الحدث في مختلف الاتجاهات والتي تتقاطع في مجملها عند التعبير عن قدرة الشعب السوري على مواصلة حياته السياسية بعيداً عن محاولات تحطيم هذه القاعدة الصلبة من القيم والمبادئ التي يرتكز عليها الشعب السوري والتي تطبعه وتميزه عن باقي شعوب المنطقة والتي باتت في معظمها محكومة لأنظمة تابعة وأسيرة لدول الاستعمار الغربي والصهيونية العالمية.
ما هو مؤكد أن صندوق الاقتراع لم يعد يعبر عن تلك المساحات الواسعة من الحرية والديمقراطية، بقدر ما أصبح يعبر عن الإصرار على التحدي والمواجهة حتى تحقيق الانتصار المطلق على الإرهاب وداعميه.