الثورة- منذر عيد:
تأتي زيارة الوفد الروسي إلى دمشق في توقيت حساس يعكس تحولات أوسع في المشهدين الإقليمي والدولي، فهي لا تقتصر على إدارة ملفات ثنائية، بل تحمل في طياتها دلالات مرتبطة بإعادة تعريف موقع سوريا في شبكة التحالفات الدولية، وبسعي موسكو لتثبيت حضورها في شرق المتوسط ضمن ظروف عالمية مضطربة.
دمشق بدأت مرحلة جديدة في علاقتها مع موسكو، من خلال الموقف المعلن حول مراجعة الاتفاقيات السابقة، إذ أن سوريا لم تعد تقبل الصياغات الغامضة أو الترتيبات التي ولدت تحت ضغط الحرب، بل تسعى لإعادة ضبط العلاقة بما يتوافق مع مفهوم السيادة الفعلية، بمعنى آخر، سوريا تريد أن تكون الشراكات أداة لدعم مصالح شعبها الوطنية، لا قيدا يحد من خياراتها الاستراتيجية.
التجربة السورية مع موسكو خلال العقد الماضي أظهرت أن الدعم العسكري والسياسي لا يكفي لبناء علاقة طويلة الأمد، لذلك، تسعى دمشق إلى تحويل المعادلة، من طرف يعتمد على المظلة الروسية إلى شريك يفرض قواعد أكثر وضوحاً في التعامل، والنجاح في ذلك سيعني أن روسيا ستتعامل مع سوريا ليس فقط كحليف محتاج، بل كدولة ذات موقع استراتيجي حيوي تسعى للحفاظ على استقلالية قرارها.
أحد أبرز التحولات التي تبرزها الزيارة هو سعي دمشق إلى تجاوز معادلة الاصطفاف الأحادي، فبعد سنوات من الارتهان لمحاور محددة، هناك توجه لإقامة شبكة علاقات أكثر توازنا مع قوى إقليمية ودولية متعددة، هذا التوجه يعكس إدراكاً بأن الاعتماد المفرط على شريك واحد- حتى لو كان روسيا- قد يترك سوريا عرضة للتقلبات المرتبطة بمصالح ذلك الشريك في ساحات أخرى، مثل أوكرانيا أو آسيا الوسطى.
زيارة الوفد الروسي تمثل أكثر من مجرد محطة دبلوماسية؛ إنها مؤشر على إعادة معايرة دقيقة في السياسة السورية، دمشق تحاول أن تثبت أنها ليست مجرد ساحة نفوذ بل فاعل يسعى لتثبيت معادلة قائمة على السيادة والندية.
في المقابل، تجد موسكو نفسها أمام اختبار، إما أن تترجم حضورها في سوريا إلى مشروع شراكة متوازن ومستدام، أو أن تخاطر بخسارة إحدى أهم أوراقها الاستراتيجية في المنطقة.