الثورة :
تشهد العلاقات السورية – الروسية هذه الأيام إعادة صياغة لمفاهيم الشراكة بين البلدين، بعد سنوات من الاختلال الذي طبع مسارها في ظل نظام الأسد البائد، ففي زيارة رسمية إلى دمشق، شدّد نائب رئيس الوزراء الروسي ألكساندر نوفاك على أن المرحلة المقبلة ستبنى على “الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة”، فيما أكد وزير الخارجية أسعد الشيباني أن بلاده تبحث عن “شركاء صادقين” قادرين على دعم مسار التعافي وإعادة الإعمار.
أوضح الشيباني أن العلاقات بين دمشق وموسكو “عميقة ومرّت بمحطات صداقة وتعاون، لكنها افتقدت إلى التوازن في مراحل معينة”، وبذلك، وجّه رسالة ضمنية بأن سوريا الجديدة لا تريد إعادة إنتاج التبعية، بل تسعى إلى شراكة متوازنة تراعي السيادة الوطنية، وأكد أن أي وجود أجنبي على الأرض السورية يجب أن يكون بهدف مساعدة الشعب السوري، لا استغلال أزماته.
في كلمته، تطرّق الشيباني إلى ملف الأسلحة الكيميائية الذي خلّفه النظام السابق، معتبراً أنه “شوّه صورة سوريا دولياً”، وشدد على أن الحكومة الحالية طوت صفحة المراوغة، وبدأت تعاوناً مباشراً مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، كما أدان الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، واصفاً إياها بأنها “تهديد مباشر لاستقرار المنطقة”، في إشارة إلى أن دمشق تتوقع من موسكو دعماً سياسياً أكبر في مواجهة هذه الاعتداءات.
من جانبه، أكد نوفاك أن زيارته إلى دمشق تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والدفاع والطاقة، مشيراً إلى أن “العلاقات في المرحلة التاريخية الجديدة ستبنى على الاحترام المتبادل بين الشعبين”، كما كشف أن موسكو تولي أهمية خاصة للزيارة المرتقبة للرئيس السوري أحمد الشرع إلى روسيا للمشاركة في القمة العربية – الروسية، باعتبارها محطة لترسيخ الشراكة على أعلى المستويات.
يحمل هذا التقارب رسائل متعددة؛ فمن جهة، تؤكد دمشق أنها لم تعد تقبل بالعلاقة غير المتكافئة التي كرّسها النظام المخلوع، ومن جهة أخرى، تحاول موسكو تثبيت نفوذها في سوريا في مواجهة ضغوط أميركية وإسرائيلية متزايدة، كما أن الانفتاح السوري على مراجعة الاتفاقيات السابقة مع روسيا يعكس رغبة في التأسيس لعقد جديد من التعاون، قائم على المصالح الوطنية لا على حسابات أنظمة زائلة.
من المتوقع أن يثير هذا المسار قلق أطراف إقليمية عدة، لا سيما إسرائيل التي تواصل غاراتها على الأراضي السورية بذريعة حماية أمنها، وكذلك إيران التي تخشى أن يؤدي التقارب السوري – الروسي إلى تراجع دورها في المعادلة السورية، وفي المقابل، قد يشكل التعاون الروسي – السوري فرصة لإعادة دمج دمشق تدريجياً في محيطها العربي والدولي، خاصة مع اقتراب استحقاق الانتخابات التشريعية في أيلول المقبل.
بهذا المعنى، تبدو زيارة نوفاك إلى دمشق أكثر من مجرد جولة بروتوكولية؛ إنها إشارة إلى أن التحالف السوري – الروسي يدخل مرحلة إعادة تشكيل جوهرية، تسعى من خلالها دمشق إلى تثبيت استقلال قرارها، فيما تبحث موسكو عن ضمان شريك مستقر في قلب المشرق.