مرحلة جديدة من سياسة الضغوط الأميركية القصوى، بدأت ترخي بظلالها على مشهد الأحداث في المنطقة والعالم، فهل باتت أميركا أكثر قلقا على مستقبلها السياسي لجهة خوفها من فقدان هيمنتها ونفوذها؟، هذا الأمر يبدو واضحا تماما، وتترجمه إدارة ترامب عبر تسخين كل الملفات الدولية إلى درجة الغليان، هي تريد الهروب إلى الأمام بجر الأمور نحو العسكرة والتصعيد على جميع الجبهات، وهذه هي حال العاجز الذي يتخبط بمستنقع من الأخطاء الكارثية، وخطورته تكمن بسياساته المبنية على ردات فعل غير مدروسة، وغالبا ما تأتي بنتائج عكسية.
ما يجري في سورية، ربما يختزل صورة الذئب الأميركي المتوحش، الفشل بالمراهنة على دعم الإرهاب، جر المتطرفين الجدد في البيت الأبيض إلى الانخراط المباشر في العدوان، ثم إلى احتلال أجزاء من الأرض، والفشل بتحقيق الغاية السياسية من العدوان والاحتلال، قادهم لانتهاج سياسة اللصوصية وسرقة الثروات الوطنية، وفشلهم بكسر إرادة وصمود السوريين قادهم إلى تشديد العقوبات والحصار، وحتى مع الفشل الذريع بفرض مشروعهم التقسيمي بفعل المقاومة الشعبية المتنامية، فإننا نشاهد اليوم كيف تحول مرتزقة الانفصال “قسد” في ممارساتهم الإجرامية التي فاقت كل حدود التصور، إلى صورة طبق الأصل عن الكيان الصهيوني الذي يمارس نفس تلك العربدة بحق الشعب الفلسطيني.
” صفقة القرن” لم تغب عن واجهة الأحداث، وتنفيذها مرهون بمواصلة الحرب الإرهابية على سورية، وإشغال محور المقاومة بكيفية التصدي للاستفزازات والاعتداءات الأميركية والصهيونية المتصاعدة، وثمة حديث أميركي اليوم عن قبول إدارة ترامب لخطط الضم التي سبق وأجل الإرهابي نتنياهو الإعلان عنها كما كان مقررا في بداية الشهر الماضي، ليتضح أن الخلاف الذي روج له في هذا الصدد كان على التوقيت فقط، وبحسب مصادر متابعة، فالإعلان عن تلك الخطط سيكون بالتزامن مع مؤتمر الحزب الجمهوري بين 24 و 27 آب الحالي، والذي سيعلن رسميا ترشيح ترامب لدورة رئاسية ثانية، وهذا يعني أن ترامب يجد في إعلان نتنياهو عن خطط الضم بهذا التوقيت ورقة رابحة في ظل مخاوفه المتزايدة من خسارته الانتخابات، من دون أي حساب لتداعيات هذه الخطوة العدائية على مستوى المنطقة، فالمهم عنده كسب المعركة الانتخابية، وأيضا انتشال نتنياهو من مآزقه السياسية.
الولايات المتحدة تفتعل الكثير من الأزمات الدولية لإعادة خلط الأوراق السياسية، هي ترفع مستوى التصعيد مع إيران عبر بوابة الملف النووي، والعمل داخل مجلس الأمن على تمديد حظر الأسلحة على طهران، رغم معارضة موسكو وبكين، وتهدد بفرض عقوبات إضافية مع أنها انتهكت الاتفاق النووي وانسحبت منه قبل عامين، ولا تكترث بالمطلق عن إمكانية خروج هذا التصعيد عن السيطرة، تماما كما تفعل بتصعيدها الحاصل مع الصين وروسيا، وتهديداتها المتواصلة ضد هاتين القوتين العظميين غير محسوبة العواقب، حتى إنها تستغل كارثة مرفأ بيروت الأليمة لجر لبنان نحو التصادم والتشابك الداخلي، ألم يعزف ماكرون على هذا الوتر خلال زيارته الأخيرة، والتي أدى خلالها مهمته كساعي بريد أميركي؟.
إدارة ترامب تجر بسياساتها الهوجاء العالم نحو الكوارث، وتوظف كل أجراء أميركا وأدواتها للدفع بمشروعها المزعزع للاستقرار الدولي، خوفا من تلاشي دورها المهيمن، هي تريد أن تكون حاضرة بكل تفاصيل الأحداث، وصاحبة الكلمة الأولى في الحل والربط، ولكن عندما يتنامى شعورها بفقدان سيطرتها ونفوذها، فهذا دليل على بداية تآكل هيبتها العالمية، حتى انتخاباتها الرئاسية باتت عرضة للشكوك والقلق، فكيف لدولة عظمى تتباهى بقوتها الغاشمة، أن تتهم دولا أخرى بالتدخل لحساب مرشح ضد آخر؟! أليس هذا الأمر دليل ضعف وعجز، ومدعاة للسخرية في آن واحد؟.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر