ثورة أون لاين – بقلم مدير التحرير أحمد حمادة:
الكلمة الشاملة التي ألقاها السيد الرئيس بشار الأسد أمام أعضاء مجلس الشعب للدور التشريعي الثالث، رسمت خارطة طريق مفصّلة للوضع الداخلي، وعمّقت وجذّرت سهم البوصلة الذي طالما ارتكزت عليه سورية في مواجهة الحرب الإرهابيّة التي شُنّت عليها على مدى السنوات العشر الماضية، ومواجهة إرهاب “قيصر” في الآونة الأخيرة، وهو السهم الذي قام أساساً على معادلة تلاحم الشّعب مع جيشه، ومقاومتهما للمحتلّين والغزاة ودحرهما للمرتزقة والإرهابيين، مهما كان الثمن، ومهما كانت التضحيات.
البوصلة السوريّة، التي رسمت ملامحها الكلمة، كانت مشبعة بعناوين أكثر عمقاً وتحليلاً وفهماً لطبيعة الحرب العدوانيّة على سورية من كلّ تحليلات المراقبين ورؤى السياسيين، الذين أدلوا بدلوهم فيما يجري من قتل وإرهاب ونشر للفوضى الهدّامة منذ عشر سنوات وحتى اليوم.
كانت البوصلة الأكثر إدراكاً لحجم الاستهداف الصهيو أميركي لسورية دولة وشعباً، انطلاقاً من إدراك القيادة السوريّة العميق لارتباط الأحداث والتطوّرات في سورية ومنطقتنا ومصالح الدول الكبرى وأطماعها بعضها ببعض، وكذلك ارتباط ما يجري على الأرض بمخطّطات أميركا والكيان الإسرائيليّ الغاصب، وعلى وجه التحديد في سورية والعراق ولبنان، ارتباطاً لا غبار عليه، والذي ظهر جليّاً بتوقيت العدوان العسكريّ الذي حدث غير مرة، وتوازيه مع انتصارات جيشنا، وترافقه مع الاستهداف السياسيّ لسورية في أروقة مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان ومنظّمة حظر الأسلحة الكيمائيّة.
ولعلّ إشارة واحدة إلى ما تناوله الرئيس الأسد حول ما سمّي “قانون قيصر” تكفينا لندرك كم كان التوصيف دقيقاً ليس لطبيعة الحصار والعقوبات وأهدافها فقط بل عدم فصلها عمّا سبقها من عقوبات وحصار ضدّ سورية على مدى سِنيّ الصراع العربي الإسرائيليّ بسبب مواقفها الوطنيّة والقوميّة ومركزيّتها في محور المقاومة.
وليس هذا فحسب بل ارتباط العقوبات القسريّة أحاديّة الجانب، والحصار الجائر و”قيصره” الإرهابيّ، ارتباطاً وثيقاً ومحكماً ومبرمجاً ومنسّقاً بما يجري من إرهاب وعدوان إسرائيليّ وأميركيّ وتركيّ مباشر، والتصاقها بشكل تام مع ما يحدث من قتل وتشريد لأهلنا وحرق لمحاصيل قمحهم الاستراتيجية، ومع كلّ ما يسهّل الحركة لتنظيم داعش المتطرّف، فجميعها كانت خطوات عدوانية تتماهى تماماً مع محاولة تفعيل “قيصر” وجعله أكثر تأثيراً وإيلاماً بالسوريين، لأنّ (القانون) المزيّف إياه وحده لن يكون قادراً على خلق الحالة التي أرادت ترسيخها منظومة العدوان.
ليس إرهاب “قيصر” حالة منفصلة إذاً عن سياقات أخرى أكثر عدوانيّة، ومن هنا كان لا بدّ من التعاطي مع هذا الحجم من الاستهداف بآليّة تستطيع ردع الاستهداف برمّته وتثليمه، وصولاً إلى تحقيق النصر التام على الإرهاب ومنظومته، والحفاظ على وحدة سورية وسيادتها على أرضها واستقلالها، وإعادة الأمن والأمان إلى ربوعها، وهي الدولة التي كانت “رقم واحد” في العالم التي تنعم بالأمن والأمان والاستقرار قبل أن تستهدفها تلك المنظومة الإرهابيّة.
إذاً توصيف الواقع الحالي بدقّة متناهيّة كان كالتعامل بدقّة متناهية مع ما يجري على أرض الواقع، بكلّ ما فيه من عدوان وإرهاب وقتل وتشريد وحصار وتجويع، وكان هذا التعامل الدقيق والحكيم مدعوماً بصمود جيشنا الباسل وعزيمة شعبنا الأبيّ وإرادته التي ترجمها نصراً على الإرهاب وتطهيراً لمعظم الجغرافيا السوريّة من رجسه الآثم.
ولعلّ الرسالة الأهم لأقطاب منظومة العدوان بقيادة أميركا وأداتها النظام التركي وبقيّة أركان المنظومة كانت بهدف الحسم والصلابة، فإذا كانت الحرب الإرهابيّة التي شنّوها ضدّ سورية تستهدف أولاً وأساساً تفكيك الدولة الوطنيّة السوريّة، وتفتيتها، وإنهاء آخر معقل من معاقل الصمود في العالم العربي، تمهيداً لتصفية القضيّة الفلسطينيّة، وتالياً خدمة الأمن الصهيوني، فإنّ البوصلة السورية أرست قاعدة طالما كانت مرتكزاً لسورية الدولة والشعب، وهي أنّ قضية فلسطين قضيتهما المركزية، وستظلّ كذلك، فكانت فلسطين والجولان المحتلين في مقدمة اهتمامات الكلمة وبوصلتها.
والأهم من هذا وذاك أنّ السوريين سينتصرون في هذه الحرب العدوانيّة مهما كان الثمن، ودماء شهدائهم خير شاهد، “فأجساد الجرحى ودماء الشهداء ليست بالمجان، لها ثمن، وثمنها الصمود ومن ثمّ الانتصار” كما جاء حرفيّاً.
ولعلّ أهم مرتكزات البوصلة السورية التأكيد على أنّه كلما فشل الإرهابيون في مهامهم كان هناك تصعيد إسرائيليّ وأميركيّ وعدوانات عسكريّة مباشرة، وكلما انتصر السوريّون وحلفاؤهم كلما ذهبت منظومة العدوان إلى مجلس الأمن لتؤلّف المسرحيات وتصعّد في أكاذيبها، لكن رغم ذلك كلّه فإنّ هذه البوصلة المعطاءة تلخّص المشهد بكلمات وجيزة وهي أنّ السوريين وحلفاءهم في محور المقاومة ومحور مكافحة الإرهاب سيطوون أوراق مشاريع العدوان الغادرة، وما يجري من دحر للإرهاب في معظم الجغرافيا السورية خير شاهد.