ثورة أون لاين – أحمد حمادة:
رغم كل السياسات العدوانية والتصريحات النارية التي تنتهجها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد الصين، وخصوصاً بعد استفحال الأزمة الناشئة بينهما في أعقاب تفشي وباء كورونا بالعالم، ووصف ترامب العنصري للفيروس ب(الفيروس الصيني)، ورغم كل الآثار الكارثية للحرب التجارية والتنافس الاقتصادي بين الطرفين، فإن الصين كانت على الدوام تنتهج سياسة هادئة قوامها الدبلوماسية، سياسة داعية للحوار، واحترام متبادل للتاريخ، واستشراف للمستقبل، ومؤكدة على الحفاظ على استقرار العلاقات الصينية الأميركية، بما يخدم البلدين أولاً، والأمن والسلم الدوليين ثانياً، وازدهار البشرية على المستوى الثالث.
هذه الأسس الثابتة في السياسة الصينية، التي أرستها بكين انطلاقاً من حكمتها في التعامل مع قضايا العالم، ونظرتها الهادفة إلى إرساء السلم الدولي مهما كان حجم الأزمات وخطورتها، أكدها الحزب الشيوعي الصيني على لسان يانغ جيتشي، عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب ومدير مكتبه للجنة الشؤون الخارجية، حين أشار إلى أن العلاقات الصينية الأميركية من أهم العلاقات الثنائية في العالم، وإن الحفاظ على استقرار هذه العلاقات أمر يتعلق برفاهية الشعبين وشعوب العالم، ويتعلق بالسلام والاستقرار والتنمية في العالم برمته.
وهذه السياسة المبدئية للصين كان الرئيس شي جينبينغ قد أرسى قواعدها في خطاب له عام 2014 حينما أشار إلى أن التاريخ والوقائع قد أثبتت على أن الصين والولايات المتحدة تربحان بالتعاون وتخسران بالتصادم، و أن التعاون الصيني الأميركي سيساهم في إنجاز مهام كبرى لصالح البلدين والعالم؛ أما التصادم بينهما فلا يؤدي إلا إلى عواقب كارثية لهما وللعالم بأجمعه.
ترى الصين أنه يجب على واشنطن وبكين التحلي بالنظرة بعيدة المدى وتعزيز التعاون والتمسك به والابتعاد عن المجابهة، بما يخدم البلدين ويأتي بفوائد على العالم برمته، وأكدت ذلك بمناسبة الذكرى الـ40 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين حيث أرسل الرئيس الصيني رسالة لنظيره الأميركي أكد فيها على أن العلاقات الصينية الأميركية حققت تطوراً تاريخياً على مدى 40 عاماً بعد تجاوز كل الصعوبات، وأتت بمصالح كبيرة على الشعبين، وقدمت مساهمة مهمة في إحلال السلام والاستقرار والازدهار في العالم.
ولما كان العالم يمر اليوم بتغيرات كبرى غير مسبوقة، فإن الصين ترى أن السلام والتنمية مازالا عنوانين رئيسيين في عصرنا، وتتحمل هي وأميركا المسؤولية والمهام المشتركة للحفاظ على سلام العالم وتعزيز التنمية المشتركة، ولهذا السبب فإن بكين ترى أن ذلك يتطلب من الجانبين النظر إلى العلاقات بينهما والتعامل معها بشكل صحيح وملائم، وإيجاد طريق التعايش السلمي بينهما رغم كل الخلافات.
ومع كل هذه السياسة الهادئة والداعية للحوار رأينا إدارة ترامب تصعد من لهجتها ضد الصين وتطرح النظريات السخيفة الواحدة تلو الأخرى، وكان ترامب وفريقه العدواني قد شنوا أكثر من هجوم سياسي على القيادة الصينية، وحاولوا شيطنتها، كما أنهم حاولوا خداع الشعب الأمريكي وتضليل الرأي العام الدولي باختراع الأضاليل والأكاذيب حول الصين وسياساتها الاقتصادية.
ويدرك الجميع أن الإدارة الأميركية هي التي أشعلت فتيل النزاع مع الصين بشكل أحادي الجانب، واتخذت سلسلة من الأقوال والأفعال الخاطئة التي تشكل تدخلاً بالشؤون الداخلية الصينية، وتضر بالمصالح الصينية، وتلقي بظلال ثقيلة على العلاقات الثنائية، وذلك أدّى إلى مشهد معقد وخطير للغاية لا مثيل له في العلاقات الثنائية منذ تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، ورداً على هذه الخطوات أوضحت الحكومة الصينية موقفها بشكل شامل، واتخذت خطوات حازمة للحفاظ على سيادة بلدها وأمنها القومي ومصالحها التنموية بعزيمة لا تتزعزع.
وتنظر الصين إلى أن تاريخ البلدين حافل بالكثير من المحطات الإيجابية، ففي شباط من عام 1972 قام الرئيس ريتشارد نيكسون بزيارة “كسر الجليد” إلى الصين بناء على دعوة رئيس مجلس الدولة تشو أنلاي، وخاطب الصينيين قائلاً “إنني جئت لمصلحة الشعب الأميركي، وأنتم تؤمنون بنظامكم مثلما نؤمن بنظامنا، ما يجمعنا في اللقاء هنا ليس الإيمان المشترك، بل مصالحنا وآمالنا المشتركة، لا يوجد أي سبب لنكون خصوماً، وقد آن الأوان لتسلق شعبينا القمة وخلق عالم جديد وأجمل.
وارتباطاً بهذه القاعدة ترى الصين اليوم أنه لابد من الحفاظ على أسس العلاقات التي تقوم على الاحترام المتبادل ومناقشة مختلف القضايا بالحوار، وعلى ضرورة استيضاح نقاط الخلاف بين الجانبين والعمل على إيجاد الأرضية المشتركة بينهما، بما يشكل بداية جديدة للعلاقات بين البلدين، وأن التطور السليم والمستقر للعلاقات الصينية الأميركية أمر يتعلق بمصير البلدين والعالم حاضراً ومستقبلاً، ويتفق مع التطلعات المشتركة للشعبين وشعوب العالم، وترى بكين أنها لن نسمح للقلة القليلة من الساسة الأميركيين بجرّ العلاقات الثنائية بينهما إلى الهاوية لخدمة مصالحهم الأنانية.
وترى الصين أيضاً أن مسيرة تطور العلاقات الصينية الأميركية لم تكن مفروشة بالورود طوال السنوات الـ41 الماضية، وكانت هناك تقلبات وتعرجات خطيرة في هذه المسيرة، غير أن البلدين برأيها استطاعا السيطرة على النزاعات والخلافات والتعامل مع القضايا الحساسة بشكل ملائم، عبر التحلي بالنية الصادقة لتبادل الاحترام والمساواة والسعي إلى الأرضية المشتركة مع ترك الخلافات جانباً، وتحمل المسؤولية تجاه التاريخ وشعبي البلدين.
باختصار إنها رسائل الحكمة الصينية التي تحث صانعي القرار في الولايات المتحدة على احترام الحقائق التاريخية وإدراك متغيرات العالم والإنصات للأصوات العاقلة داخل أميركا وأخذها على محمل الجد، وكذلك الإصغاء إلى دعوات دول العالم لتحقيق الأمن والسلم الدوليين، وإدارة الخلافات والسيطرة عليها على أساس مبدأ الاحترام المتبادل، لكن رغم كل هذه الرسائل الدبلوماسية الإيجابية من قبل القيادة الصينية فإن المكتوب الأميركي يظهر من عناوينه العدائية، القائمة على التصعيد وخلق كل ما من شأنه توتير العلاقات وتفجيرها مع الصين أولاً والعالم كله ثانياً، فقط من أجل مصالح فئة قليلة في أميركا تهيمن شركاتها الجشعة على الاقتصاد والمال والسلاح والقرار السياسي.