الثورة أون لاين- معد عيسى:
بالعلم والبحث العلمي والاستثمار في العقول والعمل التراكمي الدؤوب، نجح الروس في تحقيق أكبر عائد مادي ومعنوي، وبما يحسم أن الاستثمار في البحث العلمي هو أعلى أنواع الاستثمارات وأكثرها عائدية وسيادة.
بلادنا تعج بالمتعلمين والأكاديميين من الاختصاصات كافة، منهم من هاجر، ومنهم من ينتظر، ومنهم ما زال يعمل ويعاني ويجاهد في سبيل تأمين لقمة عيشه، من دون أن يلتفت أحد لخبرته أو علمه.
البحث العلمي في سورية لم يجد حتى اليوم هيكلية مناسبة تحتضنه، وعلى العكس تم تقزيمه، فبعد أن كان يتبع رئاسة مجلس الوزراء، تم إلحاقه بوزارة التعليم مع العلم أن أهم الأبحاث ليست في وزارة التعليم، وإنما في وزارات الدفاع والزراعة والصناعة، وليس في ذلك تقليل من أهمية البحث في وزارة التعليم العالي.
قبل الأزمة لم تبخل الدولة السورية في رصد الاعتماد لبند البحث العلمي، ولا التجهيزات والمخابر، ولم تكن المشكلة مادية، ولكن لم تكن هناك أبحاث ومنتجات بحثية مميزة لسبب جوهري يتعلق بتعويض الباحثين الذي لا يعادل ثمن ورق طباعة البحث، وكذلك لعدم وجود هيئة تنظيمية للأبحاث، لأن الأبحاث ليست عملية مفاجئة وطارئة، وإنما هي عملية مستمرة وتراكمية ودائمة تخضع للتقييم والمتابعة والتطوير.
كيف يُمكن أن نطلب من شخص أن يعد بحثاً عن أي موضوع وهو غير قادر على تأمين متطلبات عيشه؟ كيف سيؤمن مصاريفه عند مشاركته في المؤتمرات العلمية؟ ومن سيوفر المراجع والقرطاسية اللازمة للبحث وتكاليف النشر؟ هذه أبسط متطلبات البحث النظري، فكيف الأمر مع الأبحاث الميدانية والفنية العلمية التي تتطلب مستلزمات مادية وسفراً وإيفاداً ومشاركات خارجية وإجراءات إدارية؟
البحث العلمي يتطلب هيكلية مستقلة جامعة تغطي متطلبات الباحثين بحوافز كبيرة قد تفوق تكلفة الأبحاث نفسها، لأن الأساس للعنصر البشري، وبالمقابل الأبحاث لها عائد مادي كبير يفوق أي استثمار آخر، وما لم نستثمر في البحث العلمي ونحوله إلى إنتاج فسنبقى بلا تصنيف وبلا ترتيب واعتبار بين الدول، وستبقى خبراتنا مهاجرة ضائعة تبحث عن لقمة عيشها في ميادين الآخرين.