الثورة أون لاين- دينا الحمد:
بعد الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار الولايات المتحدة الأميركية تمديد حظر الأسلحة على إيران، وبعد أن خذلت أداتا واشنطن الأوروبيتان (فرنسا وبريطانيا) إدارة ترامب وامتنعتا عن التصويت على أجنداتها، فإن السؤال الذي يفرض نفسه على حكام البيت الأبيض وأصحاب الرؤوس الصهيونية الحامية في البنتاغون والسي آي إيه والخارجية هو: هل يعي هؤلاء جميعاً حجم العزلة الدولية التي وأوصلوا بلادهم إليها؟!.
بل وأكثر من ذلك هل بات البيت الأبيض بقيادته العدوانية ومستشاريه ومراكز بحوثه واستخباراته يدركون أن زمن البلطجة والهيمنة الأميركية على القرار الدولي وأيام التسلط على العالم قد ولى، وأن الأفول بات يطارد إمبراطوريتهم بسرعة البرق مع كل هذه التطورات العالمية المتسارعة وظهور أقطاب جدد يفرضون رؤيتهم على اللوحة الدولية.
لا يبدو أن إدارة دونالد ترامب العدوانية تتجه إلى مراجعة حساباتها رغم أنه لم تصوت مع قرارها سوى جمهورية الدومينكان، ولا يبدو أنها تريد الاستفادة من درس العزلة الدولية إياه داخل مجلس الأمن الدولي، ولا حتى وضع تصورات جديدة لعلاقاتها بالعالم ينقذ دورها المتهالك.
ومثل هذا الكلام الذي يؤكد أن إدارة ترامب مازالت تركب رأسها وتصر على عدوانيتها، ولا تريد مراجعة حساباتها، تدعمه الكثير من الأدلة والشواهد، وأولها أن البيت الأبيض سرعان ما هاجم جميع الأطراف التي استخدمت الفيتو وتلك التي امتنعت على التصويت، وسارع ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو إلى إطلاق التصريحات النارية التي تؤكد على مضي إدارتهما بالعقوبات الأحادية ضد إيران والاتجاه إلى تشديدها.
وثاني الأدلة على انتهاج التصعيد مع إيران بدل الدبلوماسية أن واشنطن قابلت المبادرة الروسية الداعية إلى الحوار بإطلاق التصريحات النارية حول تشديد العقوبات الأحادية، ففي اجتماع لمجلس الأمن الدولي بعد رفض مشروع القرار الأميركي دعا مندوب روسيا إلى الاطلاع على مبادرة الرئيس فلاديمير بوتين لعقد اجتماع افتراضي للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا وإيران حول الاتفاق النووي تجنباً للمزيد من تصعيد التوتر بهذا الشأن، لكن رادارات البيت الأبيض كانت تتجه إلى طريق آخر أكثر عدوانية.
وثالث الأدلة على التصعيد الأميركي أن الرفض شبه الجماعي لأعضاء مجلس الأمن الدولي لمشروع القرار الأميركي دليل قاطع على وجود ونفوذ القانون الدولي – كما أكدت على ذلك موسكو في بيان لها – وأنه بمثابة تذكير للأميركيين بمنعهم من تقويض الأسس القانونية الدولية، وتأكيد واضح على أن طريقة حل التناقضات في منطقة الخليج لا تكمن في استخدام أساليب الضغط والقوة الغاشمة ولا من خلال محاولات شيطنة إيران.
ورابع الأدلة أن أميركا لا يمكن لها أن تحترم القوانين والأعراف الدولية، وأنها ماضية في مشاريعها العدوانية رغم كل هذه العزلة الدولية، والدليل على ذلك أن مشروع قرارها لتمديد حظر الأسلحة على إيران ينتهك القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي نفسه عام 2015 بعد توقيع الاتفاق النووي، والذي أشار حينها في إحدى فقراته أنه سيكون مسموحاً لإيران بدءاً من تشرين الأول المقبل بيع وشراء الأسلحة التقليدية، ولهذا فإن الخطوات الأميركية تعد استهزاء بالقانون الدولي، ومن الواضح أن واشنطن ماضية بها رغم أنها أصيبت بالصدمة بعد رفض أجنداتها من قبل جميع الأعضاء الدائمين وغير الدائمين باستثناء الدومينكان كما ذكرنا.
اليوم أميركا تشهد عزلة دولية لم تعهدها منذ عقود، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على فشلها الذريع بتطويع العالم لمصلحتها بسبب سياساتها الاستعمارية، وفشلها حتى بتطويع ذلك العالم الغربي الذي كانت تظن أنه ينفذ أوامرها بشكل أعمى، ولا شك أن عزلتها الكاملة في الساحة الدولية اليوم ستتعمق أكثر مع سياساتها المدمرة للشعوب والناشرة للفوضى الهدامة، والمستقبل كفيل بكشف الكثير من التفاصيل الدولية التي ستدفن حقبة الهيمنة الأميركية على العالم إلى غير رجعة.
التالي