الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
خسرت الولايات المتحدة منذ أيام المواجهة في مجلس الأمن بشأن تمديد شروط حظر الأسلحة المفروض على إيران، وتركت هذه الخسارة الولايات المتحدة معزولة وبشكل محرج، حيث حصلت على صوت واحد فقط لمشروع قرارها المقترح، والذي قدمته جمهورية الدومينيكان، وقد صوتت كل من روسيا والصين ضد القرار ، وامتنعت 11 دولة أخرى عن التصويت.
لكنّ إدارة ترامب لم ترتدع، فقد هدد ترامب باللجوء إلى آلية “سناب باك”، أي العودة التلقائية للعقوبات، في إشارة منه إلى إعادة فرض العقوبات المعلقة بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عام 2018.
في الطرف الآخر، تقدمت روسيا والصين بحجة تقنية وقانونية ضد الخطوة الأمريكية، وهي أن الولايات المتحدة خسرت حقّها في فرض عقوبات سريعة بمجرد خروجها من الاتفاق النووي. ويستند هذا إلى قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي كرّس الاتفاق النووي، والذي يحدّد بوضوح أنه لا يمكن إلا لدولة مشاركة في الاتفاق النووي اللجوء إلى الرد السريع.
لكن المعركة في النهاية هي مواجهة سياسية أكثر منها قانونية، فمن الناحية السياسية، والتي من الواضح أن الدول الأوروبية تفضلها، فإن الولايات المتحدة تفتقر إلى الشرعية القانونية للجوء إلى آلية “سناب باك” نظراً لأنها مدفوعة في المقام الأول بالرغبة في تخريب الاتفاقية متعددة الأطراف بعد قضاء العامين الماضيين في تقويض أسسها.
ومن ناحية أخرى، فإن إيران نفسها هي من سيقرر مصير الاتفاق النووي في حال تمّ إعادة فرض العقوبات عليها .
وبالفعل، فقد تصرفت إيران رداً على حملة الضغط الأمريكية القصوى بقيامها بزيادة مستويات تخصيب اليورانيوم، والتهديد بالخروج من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
لكنّ حسابات صناع القرار في طهران ستتأثر بالحقائق السياسية والعملية التي تعقب إعادة فرض العقوبات ، وهنا ستكون استجابة الأطراف المتبقية في الاتفاق النووي، فرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين وروسيا، حاسمة.
ويبدو أنّ هذه الدول ستبقى ملتزمة بالحفاظ على هذا الاتفاق، على الأقل حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستجري في تشرين الثاني.
والآن تزعم الولايات المتحدة، مستغلة فشلها في تمديد حظر الأسلحة، أنها تستطيع بدء عقارب الساعة بعد فترة إشعار مدتها 30 يوماً يتم بعدها إعادة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران بموجب الاتفاق النووي. وسيتم توقيت هذا الإخطار عن قصد لينتهي قبل تشرين الأول، عندما تنتهي مدة حظر الأسلحة، وأيضاً عندما تتولى روسيا رئاسة مجلس الأمن، أي الوقت الذي قد تواجه فيه واشنطن المزيد من العقبات الإجرائية.
ومن المحتمل أن يعقب تطبيق آلية “سناب باك” مشهد فوضوي في الأمم المتحدة حيث سينقسم أعضاء المجلس إلى ثلاث مجموعات.
في المجموعة الأولى ستسعى الولايات المتحدة إلى حشد الدعم لإجراءاتها، وذلك من خلال الضغط السياسي والاقتصادي، بحيث توافق بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على تنفيذ العقوبات بحلول نهاية فترة الإخطار البالغة 30 يوماً. ومن المرجح أن تستخدم إدارة ترامب التهديد بفرض عقوبات ثانوية، كتلك التي تم فرضها خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، إذا لم تتحرك الحكومات لفرض عقوبات إضافية على إيران.
وحتى إذا كانت معظم الحكومات في جميع أنحاء العالم لا توافق على أن الولايات المتحدة لديها أي سلطة لفرض عقوبات سريعة ، فقد تضطر بعض الدول إلى الوقوف إلى جانب واشنطن نظراً لتهديدات الولايات المتحدة بأنها قد تحول ضغطها الاقتصادي ضدها.
المجموعة الثانية، ستقودها روسيا والصين، وهذه المجموعة لن ترفض فقط تنفيذ عقوبات الأمم المتحدة التي تدعي الحكومة الأمريكية أنه يجب إعادة فرضها، ولكن من المحتمل أن تضع بعض العقبات، مثل منع إعادة تشكيل لجان الأمم المتحدة المناسبة التي ستشرف على تنفيذ مثل هذه العقوبات.
قد ترى هذه المجموعة أيضاً أنه من المفيد السعي للحصول على قرار من محكمة العدل الدولية بشأن المسألة القانونية المتعلقة بمطالبة الولايات المتحدة.
المجموعة الثالثة، ستقودها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، والتي تتفق على ضرورة الحفاظ على الاتفاق إلى أقصى حد ممكن. فقد شددت الحكومات الثلاث في بيان صدر في حزيران على أنها لن تدعم الرد من جانب واحد من قبل الولايات المتحدة. ولكن من غير الواضح ما إذا كان هذا سيُترجم إلى معارضة فعّالة، ومن المؤكد أن النهج الذي ستتبعه هذه الدول لن يشمل التحركات المعيقة التي قد تتخذها روسيا والصين.
كما ستبحث هذه الكتلة عن قرارات المماطلة لاتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذ عقوبات الأمم المتحدة. وتبدو هذه مهمة حساسة، حيث أن الدول الأوروبية ليست معتادة على تجاهل الإطار الملزم لبعض توجيهات الأمم المتحدة بشكل كبير، وسوف ترغب في موازنة إجراءاتها ضد مخاطر تآكل مصداقية مجلس الأمن بشكل أكبر. لكنها ستستفيد أيضاً من أي طرق إجرائية موجودة لتأخير التنفيذ الكامل للعقوبات، ما يوفر الوقت لحث إيران على ضبط النفس رداً على التحركات الأمريكية.
وفيما يخص الدول المؤثرة الأخرى، فمن المرجح أن تفضّل دولاً مثل الهند وكوريا الجنوبية واليابان هذا النهج. وقد تذهب هذه الحكومات إلى حد إرسال إشارة سياسية مهمة إلى إيران ودعم بيان مشترك صادر عن معظم أعضاء مجلس الأمن يتعهد فيه بعدم الاعتراف بالعقوبات الأمريكية أحادية الجانب.
وكجزء من هذا النهج، يمكن للدول الأعضاء الـ 27 في الاتحاد الأوروبي الشروع في عملية تشاور مطوّلة حول كيفية تنفيذ العقوبات وما إذا كان سيتم تنفيذها. من غير المرجح أن يتم إعادة فرض العقوبات المنفصلة على مستوى الاتحاد الأوروبي والتي تستهدف البرنامج النووي الإيراني طالما أن إيران تتبع نهجاً محسوباً في أنشطتها النووية.
إن إعادة فرض عقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي على إيران سوف يتطلب سلسلة من الخطوات، أولها أنه يجب على فرنسا وبريطانيا وألمانيا، إلى جانب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، تقديم توصية إلى مجلس الاتحاد الأوروبي، يليها بعد ذلك إجماع الدول الأعضاء، وهو هدف سيستغرق وقتاً لتحقيقه، وسيتم الأخذ بعين الاعتبار أن واشنطن تعمل إلى حد كبير على تخريب الاتفاق النووي.
في هذا الإطار يجب أن يسعى الاتحاد الأوروبي إلى الحفاظ على أكبر مساحة ممكنة لإنقاذ الاتفاق وتجنب إعادة فرض العقوبات، التي تركز على الأسلحة النووية ضد إيران، على الأقل حتى تتضح نتيجة الانتخابات الأمريكية، وقد تميل بريطانيا نحو موقف مماثل بدلاً من ربط نفسها بشكل وثيق جداً بإدارة أمريكية قد تكون في طريقها للخروج.
حتى الآن تمكنت الأطراف المتبقية في الاتفاق النووي من الحفاظ على بنية الاتفاق، وكان الهدف فقط هو التأخر حتى الانتخابات الأمريكية لمعرفة ما إذا كان من الممكن إعادة إحياء الاتفاق مع إدارة بايدن المحتملة في كانون الثاني.
في حين أن فوز ترامب قد يعني نهاية الاتفاق ويزيد من إضعاف آفاق الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران. لكن يمكن أن يتوصل الطرفان إلى تفاهم جديد حول برنامج إيران النووي في مرحلة ما خلال الفترة الثانية على أساس الصفقة الأصلية. إنمّا يبدو من النظر إلى وتيرة الدبلوماسية النووية لإدارة ترامب مع كوريا الشمالية فإن هذه ستكون عملية شاقة ومن دون نتيجة مؤكدة.
من جهة أخرى، ومع اقتراب موعد الانتخابات الإيرانية في النصف الأول من عام 2021، سيكون هناك ضغط داخلي كبير لاتخاذ إجراءات حازمة، لاسيما فيما يتعلق بالبرنامج النووي، لمنح إيران المزيد من النفوذ في أي محادثات مستقبلية مع واشنطن.
لقد تمكنت أوروبا وإيران خلال فترة إدارة ترامب، من تجنب انهيار الاتفاق النووي. إلاّ أنهم سيحتاجون، وقبل حوالي ثلاثة أشهر فقط على موعد الانتخابات الأمريكية، إلى العمل الجّاد لمنع الانهيار التام لهذه الاتفاقية. وحتى إذا تم انتخاب بايدن الذي تعهد بإعادة الدخول في الاتفاق، فستحتاج الأطراف المتبقية إلى مواصلة العمل الصعب للحفاظ عليها حتى كانون الثاني.
قد يرى المعارضون للاتفاق النووي مع إيران، في الشهرين الأخيرين من إدارة ترامب، نافذة لاتباع سياسة الأرض المحروقة تجاه برنامج إيران النووي. الأمر الذي يترك لبريطانيا وأوروبا مهمة صعبة جداً من أجل الحفاظ على ما تبقى من هذا الاتفاق لأطول فترة ممكنة
المصدر Foreign Policy