لا يمكن التستر دائماً وراء تبريرات ومغالطات، لأنه سيأتي يوم وتنكشف الأمور وينفجر كل شي، اليوم يدفع البلد ثمن السياسات التضليلية والتبريرية لقطاع الكهرباء، وباتت مقولة إن مجموعات التوليد جاهزة ولكن المشكلة في توافر الوقود مفضوحة لدى الجميع ولاسيما بالنسبة للمجموعات البخارية التي تعمل على الفيول.
اليوم يتم بناء محطة توليد في اللاذقية، وهناك مجموعات جديدة في مشروع توسع (الديرعلي 2) ولكن السؤال إذا لم يكن لدينا كميات من الغاز تكفي المجموعات الغازية العاملة فكيف سنؤمن الغاز للمشاريع الجديدة؟ ومن يضمن أن تؤمن الاستكشافات وعمليات الحفر في قطاع النفط بغياب الإمكانات والتجهيزات الدقيقة والحساسة كميات كافية لتلك المشاريع؟
كل دول العالم تستثمر إمكاناتها قبل أن تلجأ إلى الاستيراد وتسلك كل الطرق في سبيل ذلك، بريطانيا تُنتج 60 % من طاقتها من الفحم الحجري، والبرازيل تُنتج كميات كبيرة من التوليد المائي، والنروج تُنتج نسبة كبيرة من حاجتها من الكهرباء عبر الغاز المندفع من البراكين الخامدة الذي يشغل مجموعات بخارية، واستونيا تُنتج أكثر من 80 % من الكهرباء من السجيل الزيتي، والأردن بدأ بتوليد 450 ميغا من السجيل الزيتي.
استراتيجية الكهرباء لدينا استبعدت السجيل الزيتي رغم أن احتياطاته لدينا تكفي لأكثر من مئة عام، وكذلك الأمر بالنسبة للطاقات المتجددة لم يتجاوز الأمر المشاريع المتناهية الصغر رغم السطوع الطويل للشمس، والتبرير بأنها أعدت قانوناً عصرياً للكهرباء لا يشفع لها طالما أنها لم تستقطب أي استثمار اقتصادي، فالقانون العصري يستقطب الممول والمُنفذ وتكون فيه المرونة عاليا ولاسيما لظرف كالذي نمر به.
مشكلة توقف معمل السماد تعود في جذورها للكهرباء، وكذلك مشكلة البنزين والمازوت بشكل جزئي، ولو أن الكهرباء توجهت لبناء محطات توليد تعمل على السجيل الزيتي لكانت وفرت الغاز لمعمل السماد، ولكانت وفرت الغاز للسيارات بدل البنزين، والغاز لتدفئة الضواحي بدل المازوت.
أسوأ استثمار للغاز هو استخدامه لتوليد الكهرباء لأنه يمر بمرحلة واحدة من البئر إلى محطة التوليد دون أي قيمة مضافة، ولكنه لو استخدم في تشغيل معمل السماد الذي يعتبر أمناً غذائياً لكان الأمر مختلفاً والقيم المضافة أكبر بكثير، والأمر ذاته بالنسبة لاستخدامه في وسائل النقل، فاستخدام الغاز اقتصادي وأعلى مردود ويوفر فرص عمل كثيرة لتحويل وسائل النقل لتعمل على الغاز وكذلك محطات صيانة واستبدال، وأيضاً يُمكن استخدام الغاز في الصناعة الأهم وهي صناعة الحبيبات وغير ذلك من الصناعات، ليست مهارة أن ننشئ مجموعات توليد ونعلن عن جاهزيتها ولا يوجد لها وقود، ونخفي وراء ذلك فشل سياسة بناء مجموعات توليد تعمل على الموارد المحلية المتاحة.
أخطأنا في الماضي وندفع اليوم ثمن السياسات الخاطئة، ولكن نحن اليوم أمام مرحلة جديدة ووزير جديد ليس مضطراً أن يتحمل خطأ السياسات السابقة وعليه العمل بعقل منفتح، وبمؤازرة الحكومة تشريعياً ومالياً لجذب مستثمرين لاستثمار ما لدينا من إمكانات وثروات هي بالمطلق أكثر أمناً وأقل كلفة بعيداً عن تشاركية المصالح الخاصة.
الطرح لا يتنكر لأي جهد ولا يقلل من تضحيات العاملين في هذا القطاع ولا يقلل من أهمية الكفاءات ودورها لسنوات طويلة حافظت بها على منظومة تم استهدافها من الإرهاب بشكل ممنهج، الأمر يرتبط بسياسات غير منسجمة مع الواقع والمنطق.
على الملأ-بقلم مدير التحريرمعد عيسى