يُعتبر التهرب الضريبي خيانة في كثير من دول العالم، ولا شك في أن هذا التوصيف دقيق لأن الضرائب تعود في المحصلة لتحسين الخدمات، ولكن كما استيفاء الضريبة هو حق يجب أن يكون التكليف الضريبي وفق معايير دقيقة لأن أي خلل في كلتا الحالتين يترك أثراً كارثياً على اقتصاد البلد، وقد يكون خطر التكليف العشوائي وبمفعول رجعي مدمراً يتسبب في خسائر وإغلاقات نحصدها تراجعاً في الإنتاج وتسريحاً للعمالة.
الدولة منحت الصناعيين تسهيلات في توريد الآليات والتجهيزات، منحت إعفاءات من غرامات التأخير، خفضت الرسوم الجمركية على المواد الأولية وألغتها لبعض المواد، مولت إعادة تأهيل المنشآت، أعطت تسهيلات للمستثمرين، ولكن كل ما قدمته الدولة ضاع في تنازع المصالح بين الصناعيين أنفسهم، تحول قسم كبير من الصناعيين الى تجار ولم تنعكس كل خطوات الدولة على الأرض، وللإنصاف أيضاً يجب ألا ننسى معاناة الصناعيين مع الكهرباء والمازوت والفيول التي جعلت كثيراً منهم يعمل يوماً أو يومين في الأسبوع.
الحقيقة أن الصناعيين خذلوا كل من علق عليهم الآمال، ولكن هم أيضاً خذلتهم الظروف، وعليه يجب أن تكون سياسة التكليف الضريبي منسجمة مع الظروف ومع حجم الإنتاج وليس الشكل، ولكن ما يجري في موضوع التكليف العشوائي قد يُضيّع كل ما قدمته الدولة من إعفاءات وتسهيلات وتمويل، لأنه قد تربح مرة ولكن ستخسر الضرائب التي تدفعها المعامل التي يهددها التوقف بسبب هذه العشوائية.
كثير من دول العالم تعتمد بيان الكلفة للمنتجات، فهي بذلك تعرف مصدر البضاعة، وقدرة المنشأة على الإنتاج، وتضبط الأسعار ، وتحدد ربح كل حلقة من المُنتج الى بائع المفرق، وفي المحصلة تحدد الأرباح وعلى أساسها تحدد الضريبة العادلة وعلى أساس الإنتاج الحقيقي وليس التقديري وأحياناً الابتزازي .
بيان الكلفة نموذج معتمد في كثير من الدول كما البيان الجمركي ولكنه للمنتجات المحلية على عكس البيان الجمركي المتعلق بالمستوردات، وهو يُنصف المُنتج والخزينة والمستهلك، وعلى أساسه ينخفض الفرق بين سعر القطعة بالمعمل وسعرها على واجهات العرض والذي يصل أحياناً لعشرة أضعاف ونتخلص من قضية أن التاجر يأكل كل شيء وأن الصناعي والمزارع يتعبان والتاجر يحصد.
الحلول المُنصفة للجميع موجودة وواضحة ولكن يبدو أن النوايا والمصالح هي التي تحكم.
معاً على الطريق – معد عيسى