لا تجد شخصين يختلفان في تحديد مسببات الحرائق غير المسبوقة من ناحية المسؤولية، إذ تراجع الحديث عن تجار الفحم الذين كانوا يلجؤون لحرق بقعة جبلية أو حتى جبل كامل بطريقة بدائية تستهدف تحقيق ربح غير مشروع خلال فترة قصيرة من خلال الاعتداء على الثروة الحراجية والأشجار المعمرة.
أما اليوم فقد اختلف الأمر كثيراً، ولم يعد الهدف تحقيق ربح محدود هو الهدف ، وما يحصل من حرائق يشكل خسارة وطنية كبرى تفوق الخسائر التي سببها الإرهاب على مدى عشر سنين من الدمار والخراب وتهديم المنشآت وتدمير البنى التحتية من طرقات وجسور وشبكات وخطوط نقل للطاقة ، إذ إن تلك البنى التحتية قابلة للتعويض وإعادة الإعمار خلال فترة قصيرة ، فيما نحتاج عشرات السنوات لزراعة تلك الجبال أشجاراً من زيتون وليمون وحمضيات فضلاً عن الأشجار الحراجية المعمرة التي نبتت قبل مئات السنوات لتواجه اليوم عملية إحراق وتحريق ليست بريئة وليست من البساطة بمكان بحيث تنسب إلى إهمال أو عمل فردي متعمد.
إن اشتعال تلك الحراج والبساتين بتلك الأعداد وبتزامن في التوقيت يضعنا أمام عمل عدواني منظم يحتاج الإعداد له زمناً طويلاً وتحديداً دقيقاً لتلك المواقع المستهدفة بحيث تكون في نهاية الأمر واحدة من الطرائق المبكرة في الحرب الإرهابية المستمرة على سورية، تضاف إلى الوسائل العسكرية والاقتصادية والإعلامية التي اجتمعت كلها بأيدي قوى البغي والعدوان وتم تنفيذها بأيدي الإرهابيين بمختلف الأشكال والأساليب التي خبرناها على امتداد السنوات الماضية لتكون الحرائق المتزامنة وذات الامتداد الواسع والتعدد الشكل الأبشع والأكثر ضراوة في العدوان.
ولعل المشهد الأشد إيلاماً هو الموقف الدولي المزعوم ، فهو يعبّر عن دعم للعدوان لا يتوقف، مقابل رغبة في إذلال وإخضاع الشعب السوري وإدخال الوهن إلى الداخل النفسي ، ما يشكل الأساس في الوصول إلى الهدف العدواني في هزيمة سورية وإخضاعها للمشروع الاستعماري الكبير.
فلو كانت تلك الحرائق حصلت في دولة غير سورية لوجدنا مختلف الحكومات تسارع في تقديم المساعدات العاجلة وإرسال طائراتها الخاصة بالإطفاء والمعدات اللازمة بالسرعة القصوى ، فيما نجد العالم الغربي يدير ظهره وكأن ما يحدث لا يشكل كارثة تحتاج دعماً دولياً وإنسانياً ، ليبقى التعاون والتعاضد والمساعدة بين أبناء الشعب السوري يشكل الرد الوطني الحاسم بأن أشكال العدوان مهما تعددت لن تؤثر في نفسية وصمود وثبات أبناء شعبنا العظيم ، وهو يبدأ من اللحظة هذه إعادة إحياء الأرض المحروقة وزراعة الأشجار التي تأبى أن تغادر أرضنا الطيبة.
معاً على الطريق – مصطفى المقداد