يخطئ من يظن أن الإسرائيليين وفق ما تربوا عليه سواء عبر المناهج التربوية والتعليمية، بدءاً من مرحلة الطفولة المبكرة وحتى نهاية الحياة الجامعية يتقبلون ما سمي تطبيعاً مع العرب، فالعربي والفلسطيني في الخطاب الإسرائيلي التعليمي والثقافي والديني هو مغتصب لأرض إسرائيل التي منحها لهم الرب (لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات)، وهم أي العرب بنظرهم متخلفون قذرون خونة غدارون لا يحترمون عهداً ولا ذمة همجيون لا علاقة لهم بالحضارة ويجب أن يكون مصيرهم الموت، أما شعب إسرائيل فهو شعب الله المختار الذي اصطفاه الرب عن سائر شعوب الأرض، وما مملكة إسرائيل إلا مملكة في السماء قاطنها صاعد وتاركها هابط.
إن من يطلع على المنهاج التربوي والتعليمي في إسرائيل تتشكل لديه القناعة الكاملة بأن ثمة صناعة لشخصية إسرائيلية توعوياً وانفعالياً اسبارطية في قوتها معبأة دينياً من خلال نصوص التوراة والتلمود التي تشكل ربع المنهاج التربوي في مراحل التعليم المختلفة بمحتوى أقل ما يقال عنه إنه خطاب كراهية واحتقار للآخر، ولاسيما العربي والفلسطيني الذي يجب اقتلاعه وتطهير أرض إسرائيل من دنسه، من هنا يمكننا القول إن لا استعداد لدى الإسرائيلي المعبأ بتلك الثقافة المتطرفة أن يتقبل فكرة التطبيع مع العرب على وجه العموم، من خلال تلك النظرة الدونية، وما مفردة التطبيع إلا شكل من أشكال الخداع للرأي العام فهي في المضمون استسلام وتكريس لما سمي الحق التاريخي لليهود في أرض إسرائيل، ولعل تلك الفكرة هي المحتوى الحقيقي لخطاب التطبيع الذي تتبناه بعض الأقلام المأجورة من أنصاف المثقفين والمدعين، الذين يظهرون على شاشات الإعلام وبعض منابر الثقافة والدين عبر بروباغندا وتضخيم لهم لجهة تشكيل انطباع بأنهم يمثلون رأي النخب الثقافية والدينية والسياسية في حين أنهم في غالبيتهم يحتاجون إلى (الـ) التعريف .
وإذا وضعنا جانبا خطاب الكراهية الذي تتبناه المؤسسات التربوية والثقافية والدينية، وحللنا الخطاب السياسي لقادة الصهاينة منذ ديفيد بن غوريون وشاريت وليفي اشكول ومناحيم بيغن واسحق شامير واسحق رابين وشمعون بيريز وأرييل شارون ويهودا أولمرت وصولا لبنيامين نتنياهو نجد أن القاسم المشترك لخطابهم السياسي هو منطق القوة لفرض السلام على العرب، والسلام هنا هو في حقيقة الأمر الاستسلام للغة القوة، ولعل ما جاء على لسان نتنياهو عند التوقيع على ما سمي اتفاقية سلام بين حكومة الإمارات وإسرائيل في واشنطن الشهر الماضي هو أقرب دليل على ذلك، إذ استحضر نصوصاً من أسفار التوراة منسوبة للنبي سليمان على حد زعمه مؤداها أن القوة تجلب السلام والأصدقاء لإسرائيل، ولعل تكريس فكرة القوة لفرض السلام وانتزاعه من العرب فيه انتصار ليس للكيان الصهيوني وإنما للتيار والجناح الأشد تطرفاً ويمينية في خريطة الأحزاب والقوى السياسية والذي يمثله بنيامين نتنياهو وحزبه وقاعدته الانتخابية.
إن ما تمت الإشارة إليه ليس إلا غيضاً من فيض فيما تخبئوه مغذيات الخطاب الصهيوني المتطرف، وهدفنا هنا ليس تصدير خطاب كراهية تجاه الآخر أو ضد الديانة اليهودية أو اليهود بوصفهم أتباع ديانة، عاشوا بين العرب والمسلمين مئات السنين، وهذا بشهادة وزير خارجيتهم في ستينيات القرن الماضي أبا ايبان، وهو أستاذ تاريخ في أفضل الجامعات الإسرائيلية، حيث ينسب إليه القول أن اليهود عاشوا عصرين ذهبيين في التاريخ، أولهما في الأندلس حين حكمها العرب لعدة قرون، وثانيهما في الولايات المتحدة الأمريكية منذ إعلان استقلالها قبل قرنين من الزمن.
إضاءات – د خلف المفتاح