الثورة أون لاين- ترجمة حسن حسن:
في أواخر الشهر المنصرم, قام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بجولة على دول أميركا اللاتينية زار خلالها دولاً متاخمة لفنزويلا، البرازيل، كولومبيا وغويانا بالإضافة إلى سورينام, وجاءت الزيارة متزامنة مع المعارك التي تخوضها الولايات المتحدة وكولومبيا على الساحل الكاريبي الواقع إلى الشمال من كولومبيا، والهدف هو مضاعفة حدة الاعتداءات ضد فنزويلا مع اقتراب الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني القادم.
في هذه الجولة انتهز وزير الخارجية الأميركي الفرصة أيضاً لمواصلة الحملة العالمية ضد الصين في وقت تتصاعد فيه حدة التوترات العسكرية في بحر الصين الجنوبي واستمرار تايوان في مفاقمة الأزمة .
بدأ بومبيو زيارته بالتوقف في كل من سورينام وغويانا حيث لم يلتق رئيسي الدولتين المنتخبين حديثاً “شان سانتوكي وايرفان علي” فحسب, بل التقى أيضاً ممثلين عن شركات الطاقة والمناجم المحليين.
هذا وقد شهد البلدان تطوراً وذلك بفضل اكتشاف احتياطات هامة من النفط في البحر، وكانت شركة “اكسون موبيل” هي الي اكتشفت الاحتياطيات الموجودة على طول سواحل غويانا عام 2015, وبدأت بإنتاجه في كانون الثاني من العام الماضي بموجب اتفاق لم تعط فيه البلاد أكثر من 50 بالمائة من الإيرادات, وهو ما أثار انتقادات من قبل مواطني غويانا.
بومبيو تكلم في “باراماريبو” عاصمة سورينام معلناً أن الأمر يتعلق ب”مرحلة حساسة” بالنسبة للاقتصاد في إشارة للاحتياطيات النفطية، مؤكداً أن عليهم الانحياز بمصالحهم إلى جانب الولايات المتحدة لا إلى الصين، وأضاف “إننا نرى كيف يستثمر الحزب الشيوعي الصيني في البلدان الأخرى, ففي البداية يبدو كل شيء طبيعياً ثم لا يلبث أن تتضح الأمور عندما يرتبط ذلك بدفع الأثمان السياسية “.
وكانت الصين قد دعت كلاً من سورينام وغويانا للانضمام إلى المبادرة الدولية في مجال التجارة والبنى التحتية, وطريق الحرير, وكلتاهما استفادت من الاستثمارات الصينية الهامة.
ورداً على ما إذا كانت حكومة سورينام ستسمح للولايات المتحدة باستخدام أراضيها لإطلاق عمليات عسكرية ضد فنزويلا, أعلن الرئيس سانتوكي مجدداً أن القضية غير قابلة للنقاش، و رأي سورينام “أنه يترتب على الزعماء السياسيين في فنزويلا حل مشكلاتهم الداخلية”.
بعدها طار بومبيو إلى البرازيل حيث حضر حفلة تصوير في أحد مراكز استقبال اللاجئين الفنزويليين, ومن ثم التقى نظيره وزير الخارجية البرازيلي آرنستو أروجو، وقد انتهز فرصة الزيارة للإعراب عن مخاوفه بشأن الفنزويليين الذين يغادرون بلادهم، فالأغلبية الساحقة منهم غادرت بسبب الوضع المتدهور للاقتصاد الفنزويلي بفعل هبوط أسعار النفط ونظام العقوبات الأميركي الذي يعادل وضع البلاد في حالة حرب .
بومبيو صور نفسه كمخلص، ماضياً في النفاق إلى أبعد حد، إذ أن آلاف الفنزويليين الذين حاولوا دخول الولايات المتحدة وطلب اللجوء السياسي رحلوا إلى الجانب الآخر من الحدود, وإلى مخيمات قذرة في مدن المكسيك الحدودية الخطرة بانتظار الحصول على الموافقة، في الوقت عينه قامت ادارة ترامب بطرد 400 ألف لاجىء قدموا من بلدان كالسلفادور وهاييتي وسمح لهم بالدخول في إطار برنامج الحماية المؤقت, وأن كثيراً منهم عاش في الولايات المتحدة لعقود من الزمن مع أطفالهم, والمعاناة التي أطلقت صفارة الإنذار كشفت عن الظروف الحياتية التي يعيشونها وهي أشبه ب”معسكرات اعتقال تجريبية” في أحد مراكز اعتقال للمهاجرين حيث أجبرت النساء على الإجهاض بالقوة .
وعندما ظهر مع أروجو في مؤتمر صحفي عقد في قاعدة عسكرية, أعلن بومبيو ” إننا في طريقنا للتخلص ” من مادورو، وأضاف :” إن مهمة واشنطن هي تحقيق الديمقراطية في فنزويلا” .الحكومتان الأميركية والبرازيلية خاضتا سياسات قاتلة في تصديهما لجائحة كوفيد 19 أدت إلى نتائج كارثية، فالبرازيل مسجلة ثانياً من حيث عدد الوفيات أكثر من 135 ألفاً بعد الولايات المتحدة, وثالث أكبر عدد من الحالات بعد الولايات المتحدة والهند 4,5 مليون حالة، وبالتالي فإن الأضرار العالمية التي خلفها الوباء زاد من ميل الامبريالية الأميركية للعدوان العسكري في سعيها للهيمنة العالمية.
في فنزويلا, استمر ترامب بالمحافظة على الدمية خوان غوايدو الذي يمثل بنظره “الرئيس البديل” للحكومة الشرعية, رغم أنه يفتقر للدعم الشعبي وإخفاقاته المتكررة في محاولة تغيير النظام حسب ما يطالب بذلك أسياده في واشنطن، كما تخلى عنه الجزء الأكبر من المعارضة اليمينية وعن طغمته الفاسدة، وكثير منهم أعلن مشاركته في الانتخابات البرلمانية المتوقع أن تجري في شهر كانون أول المقبل على الرغم من إعلان واشنطن عدم شرعيتها قبل أن تتم، فليس لواشنطن مصلحة في أي تسوية، ولذا فهي تواصل المطالبة بتغيير النظام والتمسك بالتدخل العسكري كخيار مطروح على الطاولة. هذا العنصر الأساسي في السياسة الأميركية برز بوضوح في المرحلة الأخيرة من رحلة بومبي
و مع وصوله إلى بوغوتا, في كولومبيا لإجراء محادثات مع زعيم اليمين في البلاد” ايفان ديك “، وتزامنت هذه الزيارة مع إجراء مناورات عسكرية أميركية- كولومبية الهدف منها مكافحة تجارة المخدرات التي تحاول واشنطن بصورة تدعو للسخرية إلصاقها بفنزويلا كمصدر رئيسي لتجارة المخدرات التي تنقل إلى الولايات المتحدة, في حين اعترفت الوكالات الأميركية صراحة ومنذ زمن بعيد أن كولومبيا تشكل المصدر الرئيس لهذه التجارة .
المناورات العسكرية أثارت سخطاً واسعاً داخل الأوساط السياسية الكولومبية واعتبرت المحاكم القضائية أن “ديك” تجاوز سلطته الدستورية بدعوته القوات الأميركية للدخول إلى البلاد في حزيران الماضي دون مصادقة مجلس الشيوخ الكولومبي (الكونغرس) .
التهديد بشن حرب عسكرية ضد فنزويلا ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بعدوان عسكري على ايران والتي تتعرض مثلها كمثل بلدان أميركا الجنوبية لحملة عقوبات أميركية جائرة، وبرز هذا الارتباط بعد تعيين إليوت أبرامز كمبعوث خاص “لإيران وفنزويلا ” بدلاً من المبعوث السابق بريان هوك بعد تخليه عن منصبه الشهر الماضي.
أبرامز صرح للصحفيين أن الولايات المتحدة “تراقب ما تفعله ايران” فيما يخص شحنات الوقود إلى فنزويلا، إن تشديد واشنطن للعقوبات ضد هذين البلدين والتهديد بالاستيلاء على ناقلات النفط الإيرانية في أعالي البحار من قبل القوات البحرية الأميركية من شأنه أن ينذر بخطر اندلاع حرب كارثية جديدة .
عن”mondialisation”