تشارلز ديكنز أعظم روائي عرفه الأدب الإنكليزي، قال والده يوماً: إن هذا الطفل لن يعيش ليجرب مرارة الرجولة…
رافق ديكنز مع والده المرارة واقتسمها مع أسرته الكبيرة بعد أن توجه إلى العمل مبكراً.
قال له والده ذات يوم وهما يمران بقصر (غادزهيل) “إذا واظبت على العمل واشتغلت بجدّ فستعيش في هذا القصر”.. وبالفعل استطاع الفتى فيما بعد أن يشتري هذا القصر بعد مواظبة وسهر طويل على العمل وتحقيق الشهرة في أوروبا…
اقتسام المرارة جعل من رجل تنقل في أعمال بسيطة بين مغنٍ هزلي وآذن وعامل في مصنع إلى أشهر كاتب وأديب بعد أن امتهن الكتابة…
هذا النموذج على الإنسان العامل الذي لا يتوقف عن الأمل والطموح وعن المثابرة مهما قاسته الحياة والظروف لن يتوقف إلى أن يحقق توازناً في الحياة، تلك الحياة التي نأخذها ثم نعطيها لمن حولنا ومهما امتلكنا جوانب ممزقة في حياتنا بفعل الحرب التي كان آخر تجلياتها حرائق لإضعاف العزيمة ومحاربة الناس في لقمة عيشهم البسيطة، إلا أن العزيمة والإصرار على اختيار التوازن في الحياة يؤدي إلى علاقة أزلية بين الإنسان وأرضه وممتلكاته راسخة رسوخ الطبيعة في الوعي الجمالي والفكري لهذا الإنسان، الذي يرى أن هذا الخراب المؤقت بفعل الجريمة والإرهاب يقابله حبّ وتعلّق بالأرض أكبر من أن تدنّسه عتمة الجهل والفكر الظلامي الوهابي…
ديكنز لم ينس يوماً الفقر الذي عانى منه في مطلع حياته، وأراد لبعض رواياته أن تكون دافعاً للإصلاحات الاجتماعية الضرورية في عصره…
ونحن لن ننسى يوماً كلّ المآسي التي فرضتها الحرب على سورية، ويمكن أن يكون هنالك مآسي لا يمكن البوح بها، لأن عدوّنا المتربّص بنا لن يتوقف عن محاولات كسر صمودنا في وجهه، فهو يتلوّن ويبثّ سمومه في كلّ بقعة جغرافية من بقاع هذا الوطن…
الرماد الذي تناثر على ثرى أرضنا حافز على استخراج القوة الكامنة في نفوس السوريين واستنهاض الهمم، فالصمت والاستسلام ليسا من شيمنا وغير مقبولين في قاموس السوريين، فعزيمة الرجال والنساء والعائلات السورية والحكومة والقيادة الحكيمة مجتمعة متكاتفة يداً واحدة ستنثر الرماد في عيون وحشية العالم، فنحن شعب منذ فجر التاريخ يتطلّع للجمال والحرية والحبّ والناس…
رؤية.. هناء دويري