قوة أية سلطة تأتي من فاعلية مؤسساتها وقيامها بدورها على أكمل وجه ووفق الأنظمة والقوانين النافذة، ولعل ما شهدته قاعة مجلس الشعب السوري خلال الأيام الماضية من حوارات ونقاشات جادة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما قامت بنقل جانبا منه وسائل الإعلام يشكل دليل عافية وطنية وبداية تحول في أداء مؤسساتنا الوطنية والفاعلين فيها ولاسيما أنهم يمثلون خيارات شعبية عبر آلية ديمقراطية لها خصوصيتها السورية راهن الكثير من السوريين على دور غير نمطي يستجيب لرغبات المواطنين في دور فاعل وحقيقي لتلك المؤسسات يرتقي إلى مستوى الطموحات في تحسين أداء المرافق العامة وحسن استثمار الموارد المادية والبشرية بما ينعكس إيجابيا على الحالة الاقتصادية والوضع المعيشي المستمرفي التدهور بفعل أسباب عديدة منها ما هو موضوعي كتكلفة الحرب والحصار الاقتصادي وما استتبعه ذلك من تقلص موارد الدولة إلى حدود دنيا لم تعد كافية لتلبية متطلبات التعليم والصحة ودفع رواتب العاملين في الدولة وإعادة تشغيل وتأهيل المرافق العامة الأساسية في المناطق التي تمت استعادتها من المجموعات والتنظيمات المسلحة على مختلف مسمياتها يضاف إلى العامل الموضوعي عوامل ذاتية منها منظومة الفساد المستشرية في مفاصل العمل الحكومي وغيره وضعف الأداء العام وتآكل الكتلة الحيوية السورية بسبب استهدافها أولا وبحثها عن سبل حياة أفضل في أسواق العمل من خلال الاغتراب والهجرة خارج البلاد وما لذلك من تأثير على الفاقد العام الوطني المؤهل.
إن التعويل على تحول نوعي في المردودية العامة وتحسن في سلة الموارد والناتج المحلي لا يقتصر على سياسة حكومية رشيدة وحوكمة وتصميم اقتصادي فقط وإنما يحتاج إلى جهد وطني مركب يبدأ بالمواطن وينتهي بالمؤسسات الوطنية وقوى المجتمع المدني والمنظمات الأهلية التي يمكنها لعب دور كبير في إنعاش الاقتصاد السوري ويمكن للمصارف الخاصة التي تمتلك إيداعات كبيرة لمواطنين سوريين تقدر حسب البيانات السنوية الصادرة عنها بمئات المليارات أن توظف هذه الكتلة النقدية الوازنة في مشاريع واستثمارات زراعية وصناعية وحرفية ذات مردودية اقتصادية واجتماعية كبيرة تسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي وتفعيل الحياة الاقتصادية وتجاوز حالة الركود الحاصلة بدل توظيف تلك الإيداعات في شراء العقارات أو المشاريع ذات الطابع الاستهلاكي بحثا عن ربح سريع أو دورة رأسمال قصيرة أخذا في الاعتبار الضمانات المطلوبة والكافية التي يمكن أن توفرها الحكومة لتلك البنوك ومودعيها وإيداعاتها وإلى جانب ما تمت الإشارة إليه يمكن للحكومة ومؤسساتها على محتلف اختصاصاتها الاستفادة من الرصيد الوطني في الخارج المتمثل بالمغتربين السوريين الذين يقدر عددهم بالملايين ومنهم رجال أعمال ومستثمرين كبار وثمة إمكانية لإشراكهم في الاستثمارات الوطنية وتوظيف بعض من إمكاناتهم المادية في مشاريع رابحة وداعمة للاقتصاد الوطني استثماراً في مشاعرهم الوطنية ومحبتهم لوطنهم ولاسيما أن مؤتمرات قد عقدت قبل الأزمة وأثنائها ووجدت استجابة متميزة منهم تعكس حرهم لوطنهم سورية ورغبتهم في المشاركة في تطويره وإعماره والوقوف إلى جانب إخوتهم في مواجهة الظروف الصعبة التي يعيشونها، وهنا يبرز دور وزارة الخارجية والمغتربين في ذلك إضافة للبرلمان السوري ولجانه المتخصصة ولجان الصداقة على تعددها إضافة لوسائل الإعلام وغيرها من فعاليات رسمية ومدنية وشبكة علاقات عامة يمكن الاشتغال عليها.
إن سورية بشعبها ومؤسساتها الوطنية ومحبة أبنائها وتفاعلهم وتعاضدهم قادرة على الاستجابة الفاعلة لكل أشكال التحديات في الداخل والخارج وهي في ذلك تثبت للأعداء قبل الأصدقاء أنها اتخذت الإصلاح والنجاح خيارا نهائيا معمدا بالروح الوطنية والثقة الأكيدة أن النصر في كل المعارك سيكون حليفها.
إضاءات – د:خلف المفتاح