الثورة أون لاين – دينا الحمد:
بعد الاستفزازات الخطيرة التي يقوم بها النظام التركي في شرق المتوسط، وعدوانه على جيرانه، وتدخله في الشؤون الداخلية للكثير من الدول، وصبه الزيت على نار الأزمات الجديدة كما يجري في إقليم ناكورني كارباخ، فإنه لا يكاد يمر يوم واحد دون أن يقوم الاتحاد الأوروبي بتدبيج بيانات الشجب والإدانة لسياسات أنقرة واستنكارها، ودعوة أعضائه إلى معاقبتها كي ترتدع وتعود عن خطواتها العدوانية تلك.
لكن السؤال الذي يلقي بظلاله على سهم البوصلة الأوروبية هو: هل تكفي بيانات الشجب والإدانة والاستنكار؟ وهل عجز الاتحاد الأوروبي عن لجم نظام أردوغان ووضع حد لسياساته العدوانية أم أنه أسلوب النفاق الأوروبي والمعايير المزدوجة التي اعتاد العالم عليها خلال تعامل القارة العجوز مع الكثير من القضايا الدولية؟!.
قد لا تحتاج الإجابة عن هذه الاستفسارات المهمة الكثير من العناء، فقد خبر العالم جيداً سياسات النفاق الأوروبي، وأساليب الجعجعة بلا طحن، وكلنا يذكر عشرات المرات التي يدين فيها الاتحاد الأوروبي سياسات الاستيطان الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان المحتل ويطالب الكيان الإسرائيلي باحترام القانون الدولي ولكن على أرض الواقع لا نرى صدى لهذه الدعوات بل العكس تماماً نرى الأوروبيين يدعمون هذا الكيان في كل إرهابه ونجد العديد من دولهم تزود الكيان الغاصب بكل أشكال الدعم والمساندة.
المفارقة الصارخة اليوم، والتي يضعها الكثير من المحللين برسم الاتحاد الأوروبي، هي أن تركيا عضو في حلف الناتو ومع ذلك لا يستطيع الاتحاد الأوروبي ولا الناتو الضغط على أنقرة لإيقاف سياساتها العدوانية ضد دول عديدة في المنطقة، ولم يتمكن حتى الآن من نصرة أعضائه الآخرين كاليونان وقبرص بوجه البلطجة التركية ولا وقف محاولة سرقته ثرواتهما في مياههما الإقليمية في البحر المتوسط.
وما يثير الاستغراب أن الاتحاد الأوروبي يكتفي فقط بانتقاد قرارات النظام التركي مواصلة أنشطته الاستفزازية شرق المتوسط، ويعتبر أنها تؤثر على المناطق البحرية اليونانية والقبرصية ليس إلا، في الوقت الذي يفترض أن تتحرك قواه الفاعلة على الأرض لتحقيق هذه المطالب.
وآخر هذه المطالبات جاءت اليوم من المتحدث باسم مفوضية السياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل حين قال: “إن تركيا تستمر في انتهاج مسار يخلق المزيد من التوتر وانعدام الثقة في المنطقة ولاسيما في ضوء المحاولات لإفساح المجال للحوار”، مضيفاً: “إن الامتناع عن الإجراءات أحادية الجانب يعد عنصراً حاسماً للوصول إلى بيئة مستقرة وآمنة في شرق المتوسط وتطوير علاقات مبنية على المصالح بين الاتحاد الأوروبي وتركيا”.
هكذا يبدو الموقف الأوروبي باهتاً وبارداً وبلا أي أثر أو نتيجة، وهي ليست المرة الأولى التي يتخذ مثل هذه المواقف الضعيفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تضع حداً لسياسات أنقرة العدوانية تجاه جيرانها، فقد سبق أن أكد مراراً على ضرورة الوقف الفوري لأي أعمال تنقيب وحفر غير شرعية في شرق المتوسط، دون أي نتيجة.
وليس هذا فقط بل سبق له أن دعا تركيا إلى الامتناع عن خرق المجال الجوي والمياه الإقليمية لليونان وقبرص، ودعاها إلى الكف عن اعتماد الخطاب المحرض على الحرب وحل الخلافات ومناقشتها على طاولة المفاوضات، ودعاها أيضاً إلى الشروع بحوار بحسن نية، وسبق له أيضاً أن أشار إلى أن النظام التركي لم يكتف بذلك بل وصل به الأمر إلى التدخل بشكل علني في الصراع الدائر في ناكورني كارباخ سياسياً وعسكرياً ما تسبب بتفاقم التوتر هناك وقوض جميع الجهود المبذولة الرامية إلى حل الخلاف القائم بين أرمينيا وأذربيجان بالطرق الدبلوماسية، وبمعنى آخر كانت كل خطوات الأوروبيين تدبيج البيانات المكررة التي يدير النظام التركي ظهره لها على الدوام.
قصارى القول إن كان الاتحاد الأوروبي جاداً بإيقاف النظام التركي عن عدوانه وتدخلاته في شؤون جيرانه، ومنعه من العبث بأمن البحر المتوسط فما عليه إلا التوقف عن سياسة النفاق وازدواجية المعايير، والتوجه إلى فرض عقوبات على النظام التركي بسبب سياساته العدوانية المتواصلة وتدخلاته غير الشرعية تلك،وبغير ذلك ستبقى بياناته الاستنكارية تدور في حلقة مفرغة.