الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
من الواضح الآن أن فرنسا تسعى لملء الفراغ الناجم عن الزوال التدريجي لنفوذ أميركا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فمع تولي إيمانويل ماكرون دفة القيادة، أصبحت السياسة الخارجية الفرنسية على خلاف متزايد مع بعض الحلفاء في الناتو، وخاصة تركيا.
وليبيا مثال حي وبارز حيث زادت الأزمة الحالية في تدهور العلاقات الفرنسية التركية، وفي الوقت نفسه، فإن المواقف المناهضة لتركيا في فرنسا وبعض الدول في الشرق الأوسط جمعت الطرفين معاً.
ففي 3 حزيران عقدت فرنسا والإمارات العربية المتحدة الدورة الثانية عشرة للحوار الاستراتيجي الثنائي، وخلال الاجتماع أعرب مسؤولون رفيعو المستوى من الدولتين عن رغبتهم في تعزيز العلاقات الثنائية.
يبدو أن علاقات الثنائي الفرنسي الإماراتي مع تركيا وصلت إلى الحضيض، في المقام الأول دعمت باريس وأبو ظبي اليونان في مواجهتها مع أنقرة بشأن الترسيم البحري المعقد للمناطق الاقتصادية الخالصة، ومن المتوقع أن يؤدي خطاب ماكرون المثير للجدل الأخير حول الإسلام إلى مزيد من الإضرار بالعلاقات بين باريس وأنقرة، خاصة بعد أن أعرب عن تضامنه مع أرمينيا وألقى باللوم على تركيا في اندلاع الصراع مؤخراً بين باكو ويريفان.
لاقت فكرة وجود رجل قوي يحكم ليبيا صدى جيداً في باريس وأبو ظبي، حيث بدأ كلاهما بدعم الجنرال خليفة حفتر في وقت مبكر من عام 2014.
في نيسان 2019، دعمت باريس خلسةً حملة حفتر “عملية تحرير طرابلس”، للإطاحة بحكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا، بينما زودت الإمارات حفتر بالمعدات العسكرية والمدرعات وأنظمة الدفاع والطائرات الهجومية المسيرة والدعم الجوي، وقد ساهمت فرنسا بالمخابرات والقوات الخاصة وبعض الأسلحة المتطورة.
في نهاية عام 2019 أشاد حفتر علناً بالدعم الفرنسي، ومع ذلك أدى التدخل التركي إلى تأجيج الحرب من جديد ما ساعد حكومة الوفاق على التقاط أنفاسها، وفي خلفية التدخل التركي مسألة الطاقة في شرق البحر المتوسط، حيث تشعر القيادة التركية بالقلق إزاء ضياع الفرص لاستغلال ثروة الغاز في شرق البحر المتوسط وذلك بعد اتفاقية الغاز الطبيعي الموقعة عام ٢٠١٥ بين “إسرائيل” واليونان وقبرص وايطاليا التي تؤدي إلى إخراج تركيا من سوق الطاقة في شرق المتوسط، إلى جانب اكتشافات مصر الأخيرة للغاز الطبيعي وخططها لتحويل نفسها إلى مركز إقليمي للطاقة، حيث أضعف جيران تركيا تطلعاتها لتصبح قوة طاقة متوسطية.
في نيسان 2019، وافقت قبرص ومصر واليونان و”إسرائيل” وإيطاليا والأردن وفلسطين على إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط ومقره القاهرة، واستبعاد تركيا عمداً، وبعد سبعة أشهر عقدت الإمارات أول اجتماع ثلاثي لها مع اليونان وقبرص، وبعد فترة وجيزة، طلبت فرنسا الانضمام إلى المنتدى كمراقب دائم.
رداً على التحالف الناشئ المناهض لتركيا في شرق البحر المتوسط وجهوده لعزل تركيا في شريط ساحلي رفيع، وقعت أنقرة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق في طرابلس في تشرين الثاني 2019 والتي تستلزم المشاركة التركية في مشروع EastMed.
في المقابل، التزمت تركيا بقوة بدعم حكومة الوفاق في معركتها ضد المشير حفتر، وقد صبَّ التدخل التركي في الحرب بشكل حاسم لصالح حكومة الوفاق الوطني، وكاد أن يجهض سنوات من الدعم الفرنسي الإماراتي لحفتر، وهو ما دفع أبو ظبي وباريس إلى تكثيف جهودهما المناهضة لتركيا في شرق البحر المتوسط.
قامت فرنسا بحشد الاتحاد الأوروبي حول زيادة اليقظة البحرية تجاه تركيا تحت راية الدفاع عن الحليف اليوناني، وهذا ما صب في إطار خنق الدعم التركي لحكومة الوفاق.
وستؤدي زيادة المراقبة البحرية لتركيا إلى قطع خطوط الإمداد البحرية التركية لحكومة الوفاق مع السماح للإمارات العربية المتحدة بمواصلة عمليات نقلها الجوي، ما يعيد توازن القوى في ليبيا مجدداً بين المتحاربين، وعلى الرغم من أن فرنسا أوقفت دعمها المباشر لحفتر إلى حد كبير، إلا أن ماكرون قد يحاول استخدام الاتحاد الأوروبي والإمارات كسفن للتقدم خلسة في أهداف السياسة الخارجية الفرنسية.
مع استمرار الصراع الليبي، وجدت روسيا أيضاً في حفتر حليفاً لها لتعزيز وجودها في البحر الأبيض المتوسط لردع أي تقدم غربي محتمل في مضيق البوسفور. وتتجه الآن ببطء إلى أسفل البحر المتوسط، باستخدام الشركة العسكرية الخاصة، مجموعة واغنر، لتعزيز النفوذ الروسي في ليبيا، واستكشاف جدوى إنشاء ميناء في بنغازي، و يرى الكثيرون في الغرب أن روسيا تهديد أمني لأوروبا على المدى الطويل.
على الرغم من أن الثنائي الفرنسي الإماراتي لم يفشل بعد التدخل التركي، إلا أنه ساعد في تأجيج الصراع الليبي أكثر، بحيث زادت مخاطر المواجهة، مع سعي كل من تركيا وجيرانها إلى إضعاف موقف الآخر في سياسات الطاقة في شرق المتوسط، وبقاء الولايات المتحدة هادئة إلى حد كبير إزاء ما يحدث، ويبقى السؤال هل تستطيع سياسات الثنائي الإقليمية أن تضعف موقف تركيا في المنطقة، بحيث يضطر حليفا الناتو أي فرنسا وتركيا للصدام العسكري؟.
بقلم: ديلان يشيشن