الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
يزداد الاضطراب الاقتصادي في تركيا سوءاً وسط موجة جديدة من انخفاض قيمة العملة، لكن الصمت يطبق على مجموعات الأعمال الرائدة في البلاد حيث لا يملك الكثير منهم الشجاعة لانتقاد الرئيس رجب أردوغان وحكومته.
وقد أدى الانخفاض الحر في الليرة التركية إلى زيادة سعر الدولار بنسبة 48٪ على مدار عام، ما يهدد بإخراج التضخم عن السيطرة، كما أن وباء كوفيد -19، الذي بدأ ينتشر من جديد، أدى إلى تفاقم الاضطرابات الاقتصادية التي تعاني منها تركيا منذ منتصف عام 2018.
في تشرين الأول وحده، ارتفع سعر الدولار بنسبة 9٪. وخلافاً لما حدث في أيلول، وقف البنك المركزي متفرجاً عندما رفعت أسعار الفائدة لدعم الليرة، وأدى تقاعس البنك عن اتخاذ الإجراءات المناسبة إلى زيادة الاندفاع نحو الدولار حيث خشي الكثير من التجار من تأخرهم في البحث عن ملاذ آمن للعملات الصعبة، واللافت للنظر هنا أن العملة الصعبة أصبحت تشكل حوالي 60٪ من الودائع الفردية في تركيا.
يُترجم ارتفاع أسعار الصرف الأجنبي إلى ارتفاع تكلفة أي شيء تستورده تركيا، بما في ذلك السلع والبضائع التي تحتاجها الصناعات المحلية، كما يؤدي ارتفاع الأسعار بدوره إلى كبح الطلب والاستهلاك في بلد يتقاضى فيه أكثر من نصف العمال الحد الأدنى للأجور ويعاني حوالي 10 ملايين شخص من البطالة، ويؤثر هذا الانهيار على الشركات من جميع الأنواع والأحجام.
في مثل هذا الظروف الصعبة، يتوقع المرء أن يصعّد مجتمع الأعمال الانتقادات للإدارة الاقتصادية للبلاد ويقترح الحلول، ومع ذلك لا توجد هناك أي مجموعة من مجموعات الأعمال التجارية الرئيسية في تركيا على استعداد للكلام خوفاً من غضب أنقرة، حيث سبق لكثير من رجال الأعمال أن شهدوا على كيفية تعامل أردوغان تجاه أي انتقاد، فهو ينظر إليه على أنه تخريب فينتقم من المنتقدين ويقاضيهم من خلال جهاز الضرائب التابع للدولة.
كانت جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك (TUSIAD)، وهي مجموعة الأعمال الأكثر نفوذاً، تلتزم الصمت دائماً لخوفها من حكومة أردوغان هذه المجموعة التي تضم أكبر التكتلات في البلاد، ينظر إليها أردوغان على أنها تهديد أو خصم منذ وصول حزب العدالة والتنمية (AKP) إلى السلطة في عام 2002. لدى الحزب قناعة راسخة بأن (TUSIAD) دعمت “انقلاب ما بعد الحداثة” في عام 1997، عندما أجبر الجيش نجم الدين أربكان، أول رئيس وزراء إسلامي في تركيا والمعلم السياسي لأردوغان، على الاستقالة بعد حوالي عام من وجوده في السلطة.
وبتشجيع من انتصاراته الانتخابية المتتالية كان أردوغان يذكّر (TUSIAD) بشكل متكرر “بانقلاب ما بعد الحداثة” عندما انتقدت المجموعة الحكومة في سنوات سابقة.
تم تلخيص ما تمكنت ( TUSIAD) من قوله بشأن الأزمة الاقتصادية في تصريحات رئيسها، سيمون كسلوفسكي، الذي قال في مقابلة له في تشرين الأول أن مؤشر الصرف الأجنبي الحقيقي لتركيا قد انخفض في السنوات السبع الماضية، لكن حصتها في الصادرات العالمية ظلت دون تغيير في نفس الفترة. هذا يعني أن ارتفاع أسعار الصرف لا يكفي لتعزيز قدرتنا التنافسية. وأضاف كسلوفسكي أن استقرار سعر الصرف سيكون له تأثير إيجابي أكثر على الصادرات.
يُعتبر الاتحاد شبه الرسمي للغرف وبورصات السلع في تركيا (TOBB) مجموعة بارزة أخرى تمثل مجتمع الأعمال، بما في ذلك الشركات الصغيرة وأصحاب المتاجر. ويقال إن رئيسه منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، رفعت هيسارجيكلي أوغلو قد دعم إنشاء حزب العدالة والتنمية في عام 2001، وإن كان ذلك من وراء الكواليس، ووقف إلى حد كبير مع سياسات الحزب خلال حكمه الذي دام 18 عاماً.
تشعر الشركات الواقعة تحت مظلة (TOBB) بالقلق من تراجع النمو الاقتصادي في السنوات الخمس الماضية، بما في ذلك الانكماشات التي حدثت في السنوات الثلاث الماضية، إنهم يدركون بشكل متزايد أن الأمور لا تسير على ما يرام ولكنهم يظلون متحفظين بشأن انتقاد سياسات الحكومة، ويبدو أن هيسارجيكلي أوغلو قد فضّل أن يتبنى الصمت كسياسة.
كما أن جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين (MUSIAD)، وهي منظمة رئيسية أخرى ذات توجه ديني وقريبة جداً من الحكومة، دعمت دائماً موقف أردوغان المثير للجدل والحازم ضد رفع أسعار الفائدة.
وكان أعضاؤها هم أول من حصد فوائد ذروة الاقتصاد لحزب العدالة والتنمية، لكنهم أيضاً يتعرضون الآن لضربات من تراجع الليرة، وتقلص السوق المحلية، والأزمة في قطاع البناء.
ومع ذلك امتنعت هذه المجموعة عن كتابة التقارير أو التعليق على الانكماش.
يشعر الكثيرون بالفضول لمعرفة ما إذا كان أعضاء (MUSIA) يدعمون ضمنياً أياً من الحزبين اللذين أنشأهما المنشقون عن حزب العدالة والتنمية مؤخراً، وهما حزب الديمقراطية والتقدم بقيادة وزير الاقتصاد السابق علي باباجان، وحزب المستقبل بزعامة أحمد داود أوغلو ، رئيس الوزراء السابق ووزير الخارجية.
من المرجح أن يلجأ رجال الأعمال الساخطون من حزب العدالة والتنمية إلى دعم الحزبين الجديدين, لكنهم يدركون جيداً أن هذا سيُغضب أردوغان حتماً، ولكن يبدو أن ولاءهم ودعمهم لن يظهر على حقيقته إلا إذا اقتربت احتمالية إجراء انتخابات مبكرة في الأفق، وهناك بالفعل دلائل كثيرة على أن الأتراك قد يتوجهون إلى صناديق الاقتراع في وقت أبكر من الموعد المقرر في عام 2023.
المصدر Al-Monitor