الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
مما لا شك فيه أن شكل الدراما بدأ بالتغيير خلال السنوات الأخيرة ، كحال آلية التعاطي مع إنتاجها وطريقة العرض على الشاشات ، هذه الطريقة التي لم تعد الوحيدة القادرة على جذب العمل الدرامي إليها ، وإنما هناك منافس شرس ظهر على الساحة ويبدو أن حضوره آخذ بالتطور بشكل تصاعدي مكرساً مكانه رويداً رويداً ، إنه الإنترنت ، فلم يعد بخافٍ على أحد أن هناك حالة انزياح تشهدها آلية المتابعة عند المتلقي ، الذي بات يتحكم بما يريد رؤيته من مسلسلات كما يستطيع التحكم بزمان مشاهدتها، مما يشي أنّ عادات وتقاليد وآليات المشاهدة بدأت بالتغيّر ، وهي تذهب باتجاه فرض آليات جديدة ومختلفة.
واليوم تعرض المنصات والمواقع المتعددة على الإنترنت أعمالاً درامية متنوعة ، وهي آخذة بالانتشار عالمياً ، ولكن يبقى حضورها متأرجحاً بين بلد وآخر ، فلم يعد يكتفي المُنتج بعرض مسلسله على الإنترنت وإنما بات يُنتج أعمالاً درامية خاصة للعرض على الشبكة العنكبوتية بآلية جديدة وبعيدة كل البعد عن آلية الإنتاج التلفزيونية ، الأمر الذي بدأ يتسرب وإن بخجل إلى الإنتاج السوري ، ليشكل إرهاصات أولى قد تُبنى عليها آلية الإنتاج في المستقبل ، وضمن هذا الإطار تتداعى مجموعة من التساؤلات ، منها : هل المتغير القادم على صعيد الإنتاج سيكون إنجاز أعمال للأنترنت فقط أم سيكون هناك خطان للإنتاج الأول للمحطات التلفزيونية والثاني لمنصات ومواقع الانترنيت ؟ ما مدى تأثير هذه الحالة على الإنتاج الدرامي التلفزيوني ؟ وما شروط التعاطي مع الإنترنت وما سمات الكتابة له ؟ هل ما يصلح للشاشة الصغيرة يصلح هو ذاته للشاشة الأقل صغراً (الموبايل أو شاشة الكمبيوتر) ؟.
ـ تغيُّرات في العمل الفني :
سبق وأن نبّهت الفنانة ضحى الدبس في لقاءات سابقة إلى أن هناك جديداً قادم في المستقبل وعلينا معرفة كيفية التعاطي معه ، تقول : (أعتقد أن تصوير أعمال للتلفزيون سيخف لصالح تصوير أعمال تُعرض على الإنترنت ، وقد بدؤوا يؤسسون لذلك منذ فترة عبر مسلسلات مدة كل حلقة منها خمس دقائق ، وكأن ذلك يشي ببداية متغيّر قادم ، على صعيد الشكل والمضمون وكل ما يتعلق بالعمل الفني) .
ـ لتكن لنا منصاتنا :
المخرج والفنان عارف الطويل يرى أن الإنترنت فضاء كبير سهل التناول من قبل عدد كبير من الناس لذلك نجد أن الاتجاه حالياً يذهب نحو إنتاج أعمال تُبث عبر منصاته مؤكداً أن المسلسلات المعروضة عليها تحقق مشاهدات بالملايين الأمر الذي لا تستطيعه أي محطة تلفزيونية ، يقول : أعتقد أن القادم سيكون لصالح الإنترنت ، حتى إن اليوم هناك التلفزيون الذكي الذي توصله مباشرة بالانترنت لترى المسلسلات من خلال المواقع وليس المحطات عبر اشتراك بهذه المنصات ، لذلك هناك شركات كبيرة في العالم تؤسس لما له علاقة بهذا الأمر ، هم لا يؤسسون شركات إنتاج وإنما شركات ومواقع للبث بهذه الطريقة .
وحول شروط التعاطي مع الإنترنت خاصة أنه باب مفتوح على مصراعيه حتى فيما يتعلق بالرقابة والمراحل التقليدية التي يمر بها المسلسل التلفزيوني عادة ليرى النور ، يقول : (هذا الأمر من المخاوف لأن أية فكرة تعرض هنا يمكن للطفل أن يراها رغم أنه في مثل هذه الحالات يُكتب السن المسموح له بالمشاهدة ، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى عناية ورقابة من المنزل ، كما أنه يمكن تسييس هذه المنصات لتمرير أفكار معينة ، فمن الأهمية بمكان أن نكون واعيين لهذا الأمر ، وأرى أن أفضل طريقة هي أن يكون لدينا منصات عبر الإنترنت لنعبر عن وجهة نظرنا ولا نكون متلقين فقط) ، ويشير إلى هذا السوق رابح اقتصادياً وأسرع بالتنفيذ فالحلقة هنا قصيرة لا تتطلب الجهد الذي يتم بذله لدى تنفيذ حلقة تلفزيونية .
ـ اختلاف المفاهيم الإنتاجية :
حول المتغيّر القادم في عملية الإنتاج الدرامي وسط تسارع استخدام الإنترنت وإنجاز أعمال خاصة لتعرض عبره ، يقول الكاتب أسامة كوكش : اجتاح الإنترنت حياتنا وبدأ يجتاح مكونات كثيرة منها ، وفيما سبق كنا ننجز أعمالاً للمحطات التلفزيونية ، ولكن اليوم منصات الإنترنت باتت هي الأهم ، وفيما يتعلق بالدراما العربية ربما هناك تأخير في اجتياح المنصات لها بسبب الموسم الرمضاني ، ولكن هذا لا يعني أن الإنترنت أقل أهمية فحتى ما يعرض على المحطات يمكن إعادة مشاهدته من خلاله ، وبالتالي فاجتياح الإنترنت للدراما ليس بعيداً .
وعن شروط التعاطي مع الإنترنت على صعيد الكتابة يقول : (هناك شيء من التغيير مطلوب منا ككتّاب , فالعمل لصالح منصات الإنترنت يعني أنه انتهت موضة إنجاز الثلاثين حلقة ، فالمطلوب هنا من ست إلى عشر حلقات أو أثنتا عشرة حلقة كحد أقصى . والنهاية تحتمل وجهين ، فإما أن ينتهي العمل بهذه الحلقات ويكون موسم واحد أو أن يحتمل العمل الاستمرار ، فإن نجح العمل قد تطلب الشركة المنتجة موسماً ثانياً وإن نجح تطلب منه موسماً ثالثاً ، وينتهي العمل عندما لا يحقق عدد المشاهدات المطلوبة ، لذلك نهاية حلقة أي موسم ينبغي أن يكون فيها شيء منطقي فلا تترك الخطوط مفتوحة ولا تقفلها نهائياً ، أي أن هناك شيئاً من المواربة ، أما على مستوى الموضوعات فالمساحة هنا أوسع وربما مساحة الحرية أكبر في التعامل مع أي شأن كان ، وعلى الرغم من ذلك فإن آليات التصوير ستبقى نفسها كأذونات العمل والموافقات على النص ، ولكن ينبغي أن يُؤخذ بعين الاعتبار أن العمل مخصص للانترنت وليس للفضاء العام عبر الفضائيات) ، وضمن هذا الإطار يشير الكاتب أسامة كوكش إلى أن المفاهيم الإنتاجية كلها اختلفت فالمشكلة هنا أن تحصيل الأموال يتبع لعدد المشاهدات وبالتالي سيأخذ وقتاً طويلاً . ولكن في سورية قلة من الشركات التي بدأت تدرك وتشتغل على هذا الأساس ، فشركات الإنتاج لم تدخل هذا السباق إلى حد كبير خاصة أن حجم الإنتاج لدينا حالياً لايزال قليلاً .
ـ بين المحلي والعالمي :
حول تصوير عدد من العشاريات الدرامية مؤخراً ، يشير الكاتب نعيم الحمصي أن العشاريات باتت مطلوبة لمنصات ومواقع الإنترنت ، مؤكداً أن الزمن بات سريعاً اليوم. وكثيرون لم يعد لديهم الوقت لمتابعة مسلسل من ثلاثين حلقة خاصة أنه غالباً ما يحدث فيها ضياع ، وشدد على فكرة أن المستقبل للأنترنيت .
وحول مدى اختلاف شروط كتابة عمل للأنترنت عن كتابته للتلفزيون ، يقول: (ينبغي أن يكون العمل مُكثفاً ومتحرراً من الرقابة باستثناء الرقابة الداخلية ، وألا يكون محلياً بل عالمياً ، فعلى سبيل المثال لا أستطيع أن أقدم عملاً أعرضه عبر الإنترنت يتحدث عن قطع الكهرباء ، ولكن يمكن أن تتناول في العمل حادثة معينة قد تجري في أي بلد بالعالم ، وبالتالي مثل هذه الأعمال غالباً ما تكون غير مرتبطة بزمان أو مكان ويمكن أن تُصوّر في أي بلد وبأية لغة وتكون مفهوماً) ولدى سؤاله عن كيفية تناول الهموم اليومية للناس خاصة أن الدراما في مكان ما هي مرآة عن الواقع ، يجيب : (هذا الأمر تتصدى له الأعمال التي تُعرض على شاشة التلفزيون ، لأن هناك موضوعات تناسب التلفزيون أكثر من الإنترنت والعكس صحيح ، ففي الإنترنت قد أكون جريئاً لحدود لا أستطيع تقديمها على التلفزيون) .