الثورة أون لاين- ناصر منذر:
انعقاد المؤتمر الدولي حول اللاجئين في دمشق، هو في الحقيقة انتصار لقضيتهم في المقام الأول، وإبرازها كقضية إنسانية بحتة، وليست سياسية كما يروج الغرب، فتسليط الضوء على معاناتهم في الخارج، مسألة مهمة، فكثيرة هي الدول – الغربية منها على وجه الخصوص- التي تتاجر بمعاناتهم، وتمارس بحقهم شتى أنواع الابتزاز، وإصرارها على منع عودتهم هو بحد ذاته ابتزاز، وإرهاب سياسي ونفسي، وفرضها عليهم البقاء على أراضيها عبر الإغراء حيناً، والضغوط و التخويف أحياناً أخرى، هو بمثابة احتجاز قسري لهم، وهذا يتناقض مع كلّ مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي تتشدق بها من جهة، ومع كل المعايير الإنسانية والأخلاقية من جهة أخرى.
رفض تلك الدول المشاركة في المؤتمر، لا يمكن وضعه إلا في خانة الاستغلال السياسي الذي دأبت الولايات المتحدة والدول الأوروبية على انتهاجه منذ بداية الحرب الإرهابية، وحتى الآن فهي لم تزل تستخدم الورقة الإنسانية كأداة ضغط، وسبق لها أن دعت مجلس الأمن الدولي للانعقاد عشرات المرات للتباكي على الوضع الإنساني عند كلّ انتصار يحققه الجيش العربي السوري في الميدان، كذريعة لوقف العمليات العسكرية ضد الإرهابيين بهدف إنقاذهم، وهي تريد استغلال قضية اللاجئين اليوم بعدما فشل رهانها على ورقة الإرهاب، وهذا الاستغلال هو شكل من أشكال الإرهاب متعدد الأوجه الذي تمارسه تلك الدول، علّها تحقق أياً من أجنداتها السياسية التي عجزت عن تحقيقها خلال مراحل العدوان السابقة.
الدول الغربية أحجمت عن حضور المؤتمر من منطلق عدائي بحت، وهذا نتيجة طبيعية لسياساتها الداعمة للإرهاب، والرافضة لأي حل سياسي ينهي معاناة السوريين، وقضية اللاجئين هي التي افتعلتها بعدما مكّنت التنظيمات الإرهابية من التمدد والانتشار في مساحات جغرافية واسعة من الأراضي السورية، ومدتها بالسلاح والعتاد، ودافعت عنها بقوة داخل أروقة المنظمات والهيئات الأممية، وتسترت على جرائمها، وشرعنتها في مرات كثيرة، واستصدرت العديد من القرارات العدائية في مجلس الأمن لمصلحة مرتزقتها الإرهابيين، ومن يمارس كلّ هذه التصرفات العدوانية، هو بعيد كلّ البعد عن امتلاك الإرادة السياسية والأخلاقية والإنسانية لإعادة حساباته الخاطئة، والدفع باتجاه حلّ هذا الملف الإنساني عبر تسهيل عودة اللاجئين، وإزالة كلّ العقبات والعراقيل من طريق عودتهم، وفي مقدمتها إنهاء الحصار الاقتصادي الظالم والجائر.
المؤتمر عرّى الدول الغربية وفضح نفاقها وكذبها بشأن مزاعمها الإنسانية، وهو في الوقت ذاته تأكيد واضح على أن الدولة السورية تضع مسألة عودة اللاجئين في سلم أولوياتها، وهيأت الأرضية المناسبة لعودتهم، ولم تزل جهودها مستمرة في إعادة تأهيل المناطق التي تم تحريرها من الإرهاب رغم الإمكانيات المحدودة، بسبب الإجراءات القسرية التي يفرضها الغرب، الأمر الذي يستدعي ضرورة تضافر الجهود الدولية لمساعدة الحكومة السورية في تأمين عودة اللاجئين، بعيداً عن التسييس والمعايير المزدوجة التي تنتهجها الدول المعرقلة لعودتهم.