الثورة أون لاين- ترجمة ميساء وسوف:
سيواجه الرئيس المنتَخَب جو بايدن، بعد فترة وجيزة من توليه منصبه، مهمة شاقة تتمثّل في العودة للاتفاق النووي الموقّع مع إيران عام 2015، وعودة المفاوضات بين الولايات المتحدة وطهران، في الوقت الذي تعتزم فيه الإدارة المنتهية ولايتها للرئيس دونالد ترامب جعل هذه المهمّة شبه مستحيلة من خلال قضاء الأسابيع العشرة الأخيرة في هندسة “حزمة كبيرة” من العقوبات لزيادة الضغط على إيران.
ويبدو أن فريق ترامب يأمل في ألا يرغب بايدن في تحمل النتائج السياسية في حال التراجع عن هذه العقوبات، والتي ستكون مرتبطة بمخاوف غير نووية مثل الصواريخ الباليستية وحقوق الإنسان.
في الواقع، هذا التخريب المتعمّد يزيد من حدة خيارات بايدن وقد يجبره على المضي قدماً أكثر من مجرد استعادة الاتفاقية، وعلى عكس حسابات إدارة ترامب وحلفائها في “اسرائيل”، قد يسعى بايدن ليس فقط للعودة مرةً أخرى إلى الاتفاق النووي ولكن أيضاً لتحسين العلاقات مع إيران من أجل حماية هذا الاتفاق من الجهود السعودية والإسرائيلية التي تسعى لإفشالها.
لقد قام بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، بهذه المقامرة من قبل وخسر، ففي منتصف التسعينيات ضغطت “إسرائيل” لجعل البرنامج النووي الإيراني مصدر تهديد للسلم الدولي، هذا الأمر أدى إلى وضعه في قمة جدول الأعمال الأمريكي، فعندما تولى نتنياهو منصبه وصف برنامج طهران النووي بأنه يشكّل تهديداً وجودياً “لإسرائيل” كما اتّهم الحكومة الإيرانية بأنها “غير عقلانية”، وكانت استراتيجيته آنذاك تتمثل في تقليص خيارات الرئيس باراك أوباما في جعل سياسة الاحتواء غير مجدية، ووضع معايير عالية للدبلوماسية بحيث لا يمكن للمحادثات أن تنجح أبداً ( من خلال الإصرار على عدم التخصيب، على سبيل المثال)، وبالتالي ترك أوباما يختار بين الحرب أو الرضوخ للبرنامج النووي الإيراني، وبالطبع كان رهان نتنياهو أن أوباما ببساطة لا يمكنه السماح لإيران بأن تصبح قوّة نووية في عهده.
لكن نتنياهو أخطأ في التقدير، فقد ذهبت إدارة أوباما إلى خيار اعتقد نتنياهو أنه أغلقه وهو الدبلوماسية الحقيقية مع طهران، وعلى أساس التنازلات المتبادلة والتسويات، وبدأت إدارة أوباما مفاوضات سرية مع إيران في عُمان وعرضت قبول قيام إيران بتخصيب اليورانيوم على أراضيها، (وهو أمر عارضته إسرائيل بشدة)، طالما وافقت طهران على الشفافية وعلى القيود التي من شأنها أن تغلق كل الطرق لصنع قنبلة.
والآن، يجب أن يرفض بايدن أن يكون محاصراً بخيارات مفروضة سلفاً للتعامل مع إيران وعليه أن يتبع نفس الطريق الذي اتخذه أوباما، والإصرار على التفكير بشكل أكبر من مجرد الاتفاق النووي والنظر بدلاً من ذلك إلى توسيع نطاق العلاقة، لأن تجربة السنوات القليلة الماضية أظهرت أنه لا يمكن استمرار أي اتفاقية للحد من الأسلحة في ظل استمرار تدهور العلاقات بين البلدين.
لقد أظهرت الولايات المتحدة دعمها لحلفائها في الشرق الأوسط بتقييد خيارات إيران العسكرية، ثم المساعدة في تزويد جيوش حلفائها بصفقات الأسلحة فقد زادت واشنطن بين عامي 2014 و 2019 مبيعاتها من الأسلحة إلى الرياض بنسبة 220٪ ، ووفقاً لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فقد وقعت إدارة أوباما صفقة تمنح “إسرائيل” 38 مليار دولار من المساعدات العسكرية على مدى العقد القادم بعد مرور عام واحد فقط على توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وتعتبر هذه الصفقة أكبر حزمة مساعدات في تاريخ الولايات المتحدة.
حتى مع غياب تجاوزات ترامب، فإن نهج واشنطن المراعي لشركائها الاستراتيجيين بالتزامن مع الميل للنظر إلى إيران على أنّها مصدر لجميع التوترات في المنطقة، قد شكّل ضغوطاً على الاتفاق النووي تعيق استمراره على المدى الطويل، والآن ترغب إدارة ترامب وبشدّة في إنهاء مصير الاتفاقية لتقييد خيارات سياسة الإدارة التي ستخلفها في البيت الأبيض.
لهذا يجب عدم السماح لترامب بفرض سياسته، ويجب على بايدن اغتنام الفرصة للتفكير بشكل أفضل، فبدلاً من أن يسأل نفسه عن درجة تخفيف العقوبات التي سيكافح من أجلها في الكونغرس لإحياء الاتفاق النووي، يجب أن يسأل نفسه عن نوع العلاقة التي تود الولايات المتحدة إقامتها مع إيران في هذا القرن، ويجب عليه أيضاً أن يتغلّب على ترامب تماماُ مثلما تغلّب أوباما على نتنياهو، كما يجب عليه التفكير فيما وراء الاتفاق النووي، فعلى سبيل المثال يمكن أن تساعد العلاقات الدبلوماسية المباشرة مع إيران الولايات المتحدة على تجنب الصراع في المنطقة، كما يمكن أن يشير بايدن بوضوح إلى أنه منفتح على تطبيع العلاقات مع طهران بعد الاتفاق النووي.
قد يقاوم الكثيرون في طهران مثل هذه المناورة، إذ إنّ انتهاك ترامب للاتفاق النووي قد زاد الطين بلة، كما أنّه أضرّ بشدة بفكرة التفاوض مع الولايات المتحدة مرة أخرى، وستكون إعادة تجميع أحجية الدبلوماسية الأمريكية الإيرانية أمراً صعباً للغاية، لكن السنوات القليلة الماضية أظهرت أن عدم المحاولة لن يخفّف أو يزيل المشاكل والصعوبات المتراكمة.
المصدر Foreign Affairs