الثورة أون لاين – فاتن حسن عادله:
وسط حدة الانقسامات بين أعضائه، يحاول حلف شمال الأطلسي “الناتو” استنهاض نفسه من التدهور الحاصل بين مفاصله، حيث سلسلة الخلافات التي تدور بين أروقته تكشف عن حالة من التشقق والتصدع البطيء، وبما يشير إلى أن التعبير الفرنسي بأن الحلف يعيش موتاً دماغياً هو الحقيقة التي أضحت عليها صورته الراهنة.
مع جملة المعطيات هذه وغيرها، هل سيستطيع الحلف وسط هذه الهوة المتعمقة بين دوله أن يستجمع قواه التي تخور وتبرز للعلن، وهو ما تجلى مؤخراً بصور عدة.. أم أنه سيتلقى نكسات جديدة سترفع منسوب الخلافات بين دوله التي يبدو أن بعضها سئم من الاعتماد على أميركا التي لا تكف بدورها عن مهاجمة بعضها؟.
وسط حالة الخلل هذه التي تعصف باستراتيجية الحلف ثمة ملفات كثيرة يجب إعادة النظر فيها، حيث يعتزم الأمين العام “للناتو” ينس ستولتنبرغ هذا الأسبوع الدعوة إلى تعزيز الدور السياسي للتحالف الدفاعي بصفته حجر الأساس للغرب على حد قوله، رغم الخلافات القائمة حول استراتيجية الحلف، حيث سيعرض على وزراء الخارجية تقريراً للجنة خبراء من خارج الحلف، يدعم هذا التوجّه للدفع باتّجاه جعل التحالف الدفاعي محوراً سياسياً.
وبهذا الصدد قال: “سأقدّم مقترحاتي لرؤساء الدول والحكومات خلال اجتماع سيعقد العام المقبل.. أتطلّع إلى ذلك لأن حلف شمال الأطلسي أثبت أنه تحالف “نشط للغاية” حسب تعبيره.
وفي مؤتمر صحافي قال ستولتنبرغ إنه دعا الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى قمة في بروكسل “مطلع العام المقبل” سيشارك فيها قادة الدول الأعضاء، موضحاً بالقول: إن “موعد القمة لم يحدد بعد.. لكن القمة ستعقد.. وبالتأكيد كل قادة الحلف سيحضرون”.
ويتّهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الدول الأوروبية المنضوية في الحلف بأن مساهماتها أقل من حجمها، فيما اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن التحالف يعاني “موتاً دماغياً”.
وسرّع ترامب انسحاب القوات الأميركية من بعثات الحلف في أفغانستان، فيما اشترت تركيا العضو في الحلف منظومة صواريخ دفاعية روسية على الرغم من تحذيرات التحالف، بينما تخوض نزاعاً بحرياً محفوفاً بالمخاطر مع اليونان المنضوية أيضاً في الحلف.
كما سعى ماكرون لاستغلال الأزمة لدعوة أوروبا إلى تطوير “استقلالية استراتيجية” للتحرك خارج حدودها من دون العودة إلى الحلفاء إذا اقتضى الأمر، وهو ما لقي معارضة ألمانيا التي تأمل أن يعيد الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بلاده إلى نهج أكثر جماعية.
ووسط التحليلات فإن الحلف يواجه بداية ما يمكن أن يصبح منافسة من منظمة تتخّذ بدورها بروكسل مقراً لها هي الاتحاد الأوروبي الساعي إلى تعزيز دوره “الجيوسياسي”.
وغالبية دول الاتحاد الأوروبي، وليس كلها، منضوية في الحلف، وتدرس دول التكتل خطة لم تنشر بعد، لتطوير “بوصلة استراتيجية” خاصة بالاتحاد وخفض اعتمادها على واشنطن.
ومع هذه الأزمة شدّدت وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب-كارنباور على “ضرورة وضع حد لأوهام الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية”، وفي تصريح سابق لها قالت: “لن يتمكّن الأوروبيون من أداء الدور المحوري لأميركا بصفتها متعهدة الأمن”، لكن ماكرون خالفها الرأي في مقابلة حول السياسة الاستراتيجية مع صحيفة “لو غران كونتينان”، واصفاً موقفها بأنه “إساءة فهم”، فيما يعتبر خبراء أن من الخطأ التركيز على انتقادات ماكرون للحلف.
وتقول أولريكي فرانكي العضو في لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الأوروبي إن ” ماكرون لطالما اعتبر أن الدفاع الأوروبي يكمّل (دور) حلف شمال الأطلسي”.
النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي أرنو دانجان الخبير في الاستراتيجيات الدفاعية قال: إن على أوروبا تعويض تخلّفها على صعيد التكنولوجيا المتطوّرة على غرار الأسلحة ذاتية التشغيل ونظامها التوجيهي الخاص بواسطة الأقمار الاصطناعية، مشيراً إلى أن السياسة الدفاعية الأوروبية تقوم على إدارة الأزمات أكثر من أي شيء آخر، وهذا الأمر سينفّذ على الجبهة الجنوبية في مناطق لم تعد تشكّل أولوية للولايات المتحدة”.