( النظرة الضيقة إلى أدب الأطفال.. )

تظل قضية الطفولة من القضايا التي تشغل العالم سواء على نطاق التربية، والتعليم، أم الصحة، أم الحماية، والحقوق.. وأدب الأطفال أحد أهمها لما له من دور في التثقيف، والتوجيه، وإطلاق الخيال، وتنمية الإبداع.. والجهود التي تبذل للنهوض به سواء على مستوى الجهات الرسمية، أم الخاصة لا يستهان بها.. إلا أن هذا الجنس الأدبي لا يزال متعثراً في بلادنا العربية، وملامحه الصريحة لم تتضح بعد بشكل كامل لدى بعض مَنْ يكتبون فيه، أو مَنْ يقومون بعملية تقييمه، وتصنيفه.. ولعل السبب الأبرز في ذلك هو غياب النقد العلمي الجاد، وفق المعايير الصحيحة من خلال دراسات، وأبحاث تصدر عن جامعات لكل ما له علاقة بأدب الطفل.

ومَنْ من الأطفال لا يحتاج إلى هذا الأدب وهو يأتي على شكل الحكاية، والقصة، والرواية، والمسرح، والشعر، والقصة المصورة، والأفلام، وغيرها، ومع ذلك فإن غياب النقد الحديث قد أدى إلى تعدد الآراء، واختلاف التوجهات فيما يجب أن يُكتب، وما يجب ألا يُكتب، وظلّ التقييم خاضعاً للأمزجة الشخصية، والتأثيرات العاطفية، بعيداً عن القواعد العلمية الأساسية التي هي بالضرورة تحكم هذا الأدب، وهو ينطوي على منظومة واسعة من القيم، وقاموس لغوي خاص به.. أما النظرة من الزوايا الضيقة فهي تظل قاصرة عن الفهم الحقيقي لطبيعته.

ولما كان هذا الجنس الأدبي يتجدد بتجدد أنماط التفكير التي تنسجم مع التطور الحضاري، ومع تزايد أعداد أطفال العالم، فقد أصبح من الضروري التمرد على الشكل التقليدي الذي ظل أدب الأطفال لدينا حبيسه لوقت طويل، أو أنه مازال كذلك لدى بعض الكتّاب.. وكأن مهمته تنحصر فقط في بث القيم الأخلاقية، والتعليم، والتهذيب، كما النصح، والإرشاد الصارمين في واقع مثالي افتراضي ليس فيه شيء من أخطاء الحياة، كالكذب مثلاً رغم أن الأطفال يكذبون أو السرقة والطفل قد يسرق قلم رفيقه، أو لعبته، وكذلك الاعتداء على حقوق الآخر، وغير ذلك كثير، ما يجعل هذا الأدب منفصلاً عن الواقع الحقيقي الذي يصطدم به طفل اليوم من خلال قنوات الإعلام المختلفة، ووسائل التواصل الحديثة وهي بمتناول يده، وخاصة لدى مَنْ هم في المرحلة العمرية الثانية فما فوق.. بينما اكتشاف الواقع في القصة الطفلية، يدفع إلى فهمه ليصار إلى تجاوز أخطائه، وتثبيت القيم الإيجابية، وهي من مهمة أدب الأطفال، بل إنه المحفز للسلوك السليم، والسوي عندما تُطرح المشكلة من خلال القصة، ودون أن يُكرّس للعامل السلبي فيها، ليكون الحل في التغلب عليها.. فالدائرة المنغلقة على كل ما هو من الصح، والصحيح، لا تنفي وجود ما هو من الشر، والخطأ.

صحيح أن أدب الأطفال بصفة عامة هو أدب موجه، وغائي في أغلبه إلا أنني كثيراً ما تساءلت بيني وبين نفسي: لماذا يقبل أطفالنا على كل منتج غربي في هذا المجال، وينصرفون عن المنتج العربي، أو المحلي؟.. ألأن الآخر جريء، وغرائبي، ومبتكر؟ أجل.. وهو ما أتاني بالجواب لحل هذا اللغز عندما اطلعت على نقد أدبي محلي لنصٍ طفلي، أو بالأصح هو رأي، وليس نقداً يعتمد المعايير الخاصة به، لأجده يقف عند حدود ما تعودنا أن نقرأه، ولم يستطع كثير من الكتّاب تجاوزه، بل أنه ينحاز إلى تلك النظرة محدودة الأفق التي وقع بعضهم أسرى لها، والتي تكرّس لمنطق: إفعل، ولا تفعل. وتخاطب الطفل على أنه مخلوق ساذج لا يستطيع أن يدرك ما يختبئ وراء الكلمات، ولا أن يلتقط الرموز، والإشارات، وعلى الكبار أن يلقنوه بما يتناسب ومداركه البسيطة التي مازالت في طور النمو.. وإذ أعقد المقارنات أجد أن الخطاب الغربي قد تمرد ليرتفع بالطفل إلى مستوى الراشد، معتمداً على ذكائه الفطري الذي يستطيع أن يلتقط اللمحة الذكية، والقيمة الإيجابية ولو جاءت متوارية في ظلال أحدث القصة.

فما بالنا الآن بعد أن أصبح متاحاً للطفل أن يطلع على مساحة واسعة من المعارف، فهل يجوز بعد هذا أن ننغلق في خطابه على المفاهيم الساذجة، أو المعلومات السطحية، والفضاءات على اتساعها مفتوحة أمامه؟.. وتحضرني في هذا السياق حادثة جرت مع طفلة أوروبية في المرحلة الابتدائية اعترضت على محتويات المكتبة المدرسية فمزقت بعض كتبها، ولكن الإدارة لم تعاقبها على ما فعلت بل سألتها عما لا يعجبها، ودفعها لذلك، فكان جوابها: إنها كتب مملة، وتخاطب عقولنا كما لو كنا صغاراً، هي إذاً تحبذ الخطاب الذي لا يشعرها بأنها لا تزال صغيرة، وغضة، وما كان من الإدارة إلا أن أعادت النظر في محتويات مكتبتها.

فالنظرة الضيقة تقفد الأدب رونقه، وجاذبيته، وتجعله أقل إقناعاً.. وما تجربة مؤلفة سلسلة (هاري بوتر) إلا مثالاً واضحاً على ذلك الانفتاح الذي يرغب به القارئ الصغير، وقد تجاوزت فيه الكاتبة الخطاب المألوف، وذهبت أبعد من ذلك بكثير إلى حدود الخوارق، والعجائبية، والسحر الذي سحر بدوره ملايين القراء من الأطفال، ووصل أثره إلى الكبار.. وفي مضمون القصة كان لا بد من السباحة في بحيرة الشيطان قبل الوصول إلى شاطئ الخير، والأمان.. وما كان للسلسلة أن تحظى بنجاحها الكبير لولا جرأة الخطاب، إذ ليس من مهمة أدب الأطفال أن يقتصر على التربية السلوكية فقط.

والحاجة إلى نصوص إبداعية لا تقل ابتكاراً، وجرأة، وغرابة عما يطرح في الغرب تدفعنا لأن نغلق النوافذ الضيقة لنفتح الأبواب على الآفاق الواسعة.

(إضاءات) ـ لينـــــا كيــــــلاني 

 

 

آخر الأخبار
بعد حسم خيارها نحو تعزيز دوره ... هل سيشهد الإنتاج المحلي ثورة حقيقية ..؟  صرف الرواتب الصيفية شهرياً وزيادات مالية تشمل المعلمين في حلب  استجابة لما نشرته"الثورة "  كهرباء سلمية تزور الرهجان  نهج استباقي.. اتجاه كلي نحو  الإنتاج وابتعاد كلي عن الاقتراض الخارجي  الهوية البصرية الجديدة لسوريا .. رمز للانطلاق نحو مستقبل جديد؟ تفعيل مستشفى الأورام في حلب بالتعاون مع تركيا المؤتمر الطبي الدولي لـ"سامز" ينطلق في دمشق غصم تطلق حملة نظافة عامة مبادرة أهلية لحفر بئر لمياه الشرب في معرية بدرعا السيطرة  على حريق ضخم في شارع ابن الرشد بحماة الجفاف يخرج نصف حقول القمح الإكثارية بدرعا من الإنتاج  سوريا نحو الانفتاح والمجد  احتفال الهوية البصرية .. تنظيم رائع وعروض باهرة "مهرجان النصر" ينطلق في الكسوة بمشاركة واسعة.. المولوي: تخفيضات تصل إلى 40 بالمئة "الاقتصاد": قرار استبدال السيارات مزور مجهولون في طرطوس يطلبون من المواطنين إخلاء منازلهم.. والمحافظ يوضح بمشاركة المجتمع الأهلي.. إخماد حريق في قرية الديرون بالشيخ بدر وسط احتفالات جماهيرية واسعة.. إطلاق الهوية البصرية الجديدة لسوريا الشيباني: نرسم ملامحنا بأنفسنا لا بمرايا الآخرين درعا تحتفل .. سماءٌ تشهد.. وأرضٌ تحتفل هذا هو وجه سوريا الجديد هويتنا البصرية عنوان السيادة والكرامة والاستقلال لمستقبل سورية الجديدة