اقتصاديات النحل.. ثروات تنتظر من يجنيها وفوائد مادية وصحية لا تحصى.. تشجيع المربين ولحظ تشجير الكينا الحمراء والسدر لتأمين مراعٍ للنحل
الثورة أون لاين – تحقيق محمود ديبو:
النحل كائن حي دؤوب ومعطاء بلا حساب يعمل وينتج ويصنع ويقدم للبشرية أفضل ما يمكن أن يحظى به الإنسان من أنواع الغذاء والدواء لكل الأمراض والأسقام والعلل، يعيش في مملكة لها طقوسها وأسرارها، ولها آدابها وأخلاقها، وفيها من المعاني والعبر الكثير مما يغني ثقافة الأمم والمجتمعات..
وعبر الزمان تعرف الإنسان على هذه المملكة وخبر عاداتها وتقاليدها وطقوسها وبعضاً من أسرارها، فتمكن من توطينها وتحويلها إلى وسيلة عيش ومصدر للدخل، إلى أن تطورت هذه الصناعة وانتشرت في مختلف الدول من خلال التوسع بمشاريع تربية النحل والاستفادة من منتجات الخلية.
مشاريع متفرقة..
وقد شهدت الأرياف السورية خلال العقود الماضية مشروعات صغيرة ومتوسطة لتربية النحل كانت واحدة من أهم الروافع الحقيقية لدخل الأسر هناك إلى جانب العمل في الزراعة وتربية المواشي والدواجن وغيرها، إلا أنه وخلال سنوات الحرب العدوانية على سورية تعرض هذا القطاع إلى أضرار ليست بالقليلة بعد توقف عدد كبير من النحالين عن العمل نظراً للظروف التي تولدت عن الأعمال الإرهابية في عدد من المناطق والمدن السورية.
ما بعد الحرب..
واليوم تعود هذه المهنة للانتعاش مجدداً بعد أن تبددت معظم الأسباب التي ساهمت بتوقفها، إلا أن هناك بعض المشكلات التي تحتاج للمعالجة لتحقيق خطوات مديدة في التوسع والانتشار.
تطور في أداء النحال..
يقول النحال باسم خليفة إن النحال السوري أصبح يمتلك من الخبرة والمعرفة المهنية بهذا المجال الكثير، وقطع أشواطاً مهمة في سبل التعامل مع النحل والخلية، وأيضاً في تطوير منتجات الخلية والاستفادة منها، حيث نجد أن النحال استطاع أن يصل إلى مرحلة علاج النحل بالأعشاب الطبيعية دون الحاجة إلى الأدوية الجاهزة، كذلك نحن أمام منتج جديد وهو سم النحل الذي يعتبر من أغلى منتجات النحل وأهمها وبدأنا في سورية بتصميم الأدوات والآلات اللازمة لاستخراج سم النحل واليوم نشهد خطوات أولى في هذا المجال نتمنى أن تتطور وأن يتم الاستفادة منها.
المحافظة على سلالة النحل..
ويشير خليفة إلى أن النحال بات بحاجة ماسة لمزيد من الدعم ليتمكن من المحافظة على النوعية والجودة المطلوبتين في إنتاج العسل وباقي المنتجات من الخلية، والمحافظة أيضاً على سلالة النحل السوري التي تهددها جملة من الأخطار والأمراض مؤخراً نتيجة لدخول سلالات ضعيفة.
مشروع اقتصادي رابح..
النحال أمجد جعفر قال إن تربية النحل هو من أفضل المشروعات الاقتصادية الصغيرة التي يمكن أن يبدأ بها الفرد، نظراً لكونها تبدأ بإعطاء الإنتاج منذ الشهر الأول للإقلاع بالمشروع، في حين أن باقي المشاريع قد تحتاج إلى مرور وقت أطول لتبدأ بالإنتاج وإعادة رأس المال وتحقيق الأرباح، إلى جانب أن مشروع النحل يمكن تطويره مع الزمن وزيادة حجم الإنتاج من الخلايا نفسها التي بدأ بها، وفي حال توفر الدعم اللازم لتصدير منتجات النحل فإن مثل هذه المشاريع مجتمعة ستشكل رافداً مهماً للخزينة العامة بالقطع الأجنبي، وتساهم في تأمين دخل مناسب للنحالين، وخاصة في ضوء ازدياد الطلب العالمي على العسل ومنتجات الخلية والتي باتت تعتبر من أهم الأغذية التي يعتمد عليها الإنسان في تعزيز مناعة جسمه في ظروف انتشار وباء الكورونا مؤخراً، لافتاً إلى ضرورة استثمار التنوع البيئي في سورية للتوسع بمشاريع تربية النحل، فهذا التنوع يسمح بوجود مراعٍ متنوعة للنحل.
سرقة الخلايا..
لكن من بين جملة ما يواجهه النحالون اليوم تعرض خلاياهم للسرقة في الآونة الأخيرة، خاصة عندما يضطرون لنقلها إلى أمكان بعيدة حيث توجد المراعي، وهناك عدة حوادث وقعت وخسر فيها النحالون خلاياهم، كذلك من بين المنغصات التي تعترض عمليات نقل الخلايا هي الإرباكات التي تحصل مع بعض عناصر الحواجز أثناء عمليات الانتقال من مدينة لأخرى.
تشجير أصناف مناسبة..
ولفت جعفر إلى أنه وبعد الحرائق الأخيرة التي أصابت مناطق الساحل السوري وحمص وحماة، فقد تأثرت المراعي كثيراً نتيجة لذلك، واعتبرها فرصة للتأكيد مجدداً على ضرورة لحظ إعادة تشجير تلك المناطق بأشجار حراجية رحيقية لزيادة المساحات التي يمكن الاستفادة منها كمراعٍ للنحل، فأشجار السرو والصنوبر لا تعتبر من الزراعات التي تناسب النحل.
وأشار إلى أن جزءاً من مشكلات تربية النحل حالياً هي دخول بعض أصناف النحل من دول أخرى، وهذا ساهم في نقل أمراض للنحل السوري، وهناك مناحل دمرت بالكامل نتيجة لذلك.
أخطاء شائعة..
النحال عدنان حواصلي قال إن سورية تشكل بمجملها مزرعة متكاملة لتربية النحل نظراً للتنوع الكبير في النباتات والزراعات، والآن بات متاحاً الاستفادة من تجارب جميع البلدان التي تعمل بهذا المجال لنقل الخبرة والمعرفة والاستزادة في تطوير هذا المجال، لكن يوجد لدينا أخطاء يقوم بها بعض النحالين منها عدم امتلاكهم المعرفة الكاملة بسلوكية النحل وطريقة التعامل معه، فعلى سبيل المثال هناك بلدان اعتمدت التربية العمودية للنحل ويصنعون خلاياهم على هذا الأساس في حين لا نزال نحن نصنع خلايا أفقية سطحية، مع العلم أن 50 خلية عمودية أفضل من 200 خلية أفقية.
تقسيم الخلايا يضر بها..
كذلك لدينا خطأ هو لجوء النحال إلى قسم الخلية إلى خليتين، وهذا يؤثر على كميات الإنتاج، حيث تقول الأبحاث الحديثة والبيانات المجموعة في هذا المجال إنه بوجود خلية جيدة ومكان جيد ومربٍ جيد، فإن كمية العسل التي تنتج من هذه الخلية يجب أن تكون مربع وزن النحل السارح في الحقول، (خلية وزنها 6 كيلو يجب أن تعطي 36 كيلو عسل في الموسم الواحد)، لكننا نجد أن عدداً من مربي النحل عندنا يسارعون إلى قسم الخلية الممتازة إلى خليتين، وهنا يصبح وزن الخلية أخف وبالتالي حجم العسل المنتج أقل في كلا الخليتين المنقسمتين، (فمثلاً بعد قسم الخلية يصبح وزنها 3 كيلو وبالتالي ستعطي 9 كيلو بأحسن الأحوال) وبالتالي مجموع إنتاج الخليتين سيكون 18 كيلو عسل وهذا لا يصل إلى حجم إنتاج الخلية قبل تقسيمها إلى خليتين.
إذاً هناك عادات يجب التخلي عنها واتباع الطرق العلمية والمثبتة في هذا المجال، لذلك يجب دعم الخلايا وتقويتها وأن تكون كمية النحل السارح كبيرة في فترة قمة الفيض الرحيقي وخاصة في فصلي الربيع والصيف.
خلية منزلية..
المهندس الزراعي سيد الشوا تحدث عن مشروع جديد وهو الخلية المنزلية وهي فكرة تم اقتباسها من التجارب الأجنبية، حيث يمكن وضع الخلية في المنزل وبركن بارز منه دون أن يشكل وجودها أي مشكلة على العكس تماماً فهي ستكون مفيدة وستعطي العسل بشكل طبيعي ولها جمالية خاصة ورائحة وصوت يخفف من حدة التوتر والإزعاج لدى الإنسان حيث إن صوت الخلية يحث الدماغ على توليد موجات ألفا المساعدة على التركيز والحفظ، كما أن رائحة الخلية تفيد في معالجة الأمراض الصدرية والربو والحساسية.
ودعا الشوا إلى تقديم المزيد من الدعم والمساعدة للنحالين ولهذا القطاع الذي يعتبر هاماً جداً فيما لو تم الاهتمام به.
الكينا الحمراء والسدر..
رئيس جمعية تربية النحل بدمشق وريفها رضوان البدوي قال إن النحالين اليوم بحاجة ماسة إلى المراعي التي تتوفر فيها الأشجار الرحيقية وخاصة منها الكينا الحمراء والسدر والخرنوب، وهي من الأشجار الحراجية ويمكن زراعتها بدلاً من بعض الأصناف المزروعة حالياً في الجبال والتي لا يستفيد النحل منها، وهذه الأنواع ضرورية وتعطي عسلاً جيداً وتعتبر من أهم المراعي التي يفضلها النحل.
وأشار البدوي إلى أن تطور صناعة النحل في سورية شهدت مراحل متعددة واليوم هناك منتجات جديدة بدأ النحال السوري يستخلصها من الخلية وهي غبار الطلع وخبز النحل ومجدداً سم النحل والذي يعتبر المشروع القادم الذي يستحق الاهتمام والدعم للاستفادة منه في معظم المجالات وخاصة صناعة الأدوية والكريمات، وفي ظل الحصار الجائر على سورية يمكننا أن نوفره كمادة أولية في مثل هذه الصناعات وقد أثبتت الأبحاث العلمية قيمة سم النحل في معالجة الكثير من الأمراض.
العلاج بمنتجات النحل..
الدكتور عصام عودة قال إن فكرة العلاج بمنتجات النحل هي فكرة مهمة يجب الإضاءة عليها ونشرها كثقافة عامة لدى الناس، ولدى النحالين، خاصة ونحن اليوم نعيش فترة انخفاض المناعة وانتشار الأوبئة حول العالم، وقد يعود ذلك لعدم اهتمامنا بهذا الجانب والعمل على تعزيز مناعتنا.
وبين عودة أن العودة إلى الطبيعة واعتماد الغذاء الطبيعي والعادات الصحية والعلاجية التي درج عليها الأقدمون هي واحدة من السبل الضرورية اليوم التي يجب اعتمادها لرفع مناعتنا في مواجهة الأوبئة الجديدة التي باتت تهدد حياة الإنسان، فمن الملاحظ أنه منذ حوالي 6 عقود بدأنا نشهد تغيرات واضحة في سلوك الإنسان الصحي والغذائي، وما نراه اليوم من انتشار للأمراض هو نتيجة لسلسة من السلوكيات التي جنى فيها الإنسان على نفسه باتخاذه البعد عن الطبيعة، وأدى ذلك إلى نكوص في الجهاز المناعي للإنسان.
تعزيز مناعة الإنسان..
ولفت عودة إلى أهمية العلاج بمنتجات النحل والتي تم إهمالها تماماً من قبل الإنسان، مع الإشارة إلى أن هذا لا ينفي دور الطب الحديث، حيث يوجد الكثير من الفوائد الصحية في منتجات الخلية التي أولها العسل مروراً بغبار الطلع والغذاء الملكي وخبز النحل والعكبر ومؤخراً سم النحل، مؤكداً أننا حتى الآن لا نزال نعتبر تناول العسل هو رفاهية غير ضرورية، نظراً لارتفاع أسعاره في حين أن الأمر عكس ذلك تماماً حيث من الضروري تناول منتجات العسل بوصفها للوقاية وتعزيز المناعة وبالتالي توفير نفقات الأدوية وأجور الأطباء التي قد يدفعها الإنسان أضعافاً مضاعفة.
الثروة المهدورة..
وقد تطورت تربية النحل في سورية فمنذ 3 سنوات بدأنا نلحظ عدداً من النحالين ينتجون غبار الطلع والذي أصبح إنتاجه اليوم بالأطنان في سورية، كذلك خبز النحل وإن كان بكميات محدودة إلا أنها بداية مهمة لخطوات مديدة وأوسع في المستقبل، وكذلك هناك تطور في صناعة تجهيزات الخلية والأدوات اللازمة لاستخراج غبار الطلع وخبز النحل وسم النحل ومصائد العكبر.
واعتبر عودة أن النحل هو الثروة المهدورة التي يجب أن نعيد النظر في طريقة التعامل معها والاستفادة منها واستثمارها لصالح الإنسانية، من خلال البدء بتعزيز ثقافة النحل وتربيته لدى الإنسان منذ طفولته.