من يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر، هذا ما قاله ذات يوم أبو القاسم الشابي، وهو حقيقة تنطبق على كل ما في الحياة من مفردات، تطور تقني ومعرفي، ومع تفجر الثورات المعرفية التي تكاد لا تميز بين الأداة والمضمون، يلهث المتابع لركب القطار، تارة يكون سريعاً بحيث لا يمكنك الوصول إلى مبتغاه، إلا بعد فوات الأوان، لكنك تصر على أن تكون قريباً، بل فاعلاً في مشهديته هذه.
في ثورة تقنيات الإعلام التي لا تكاد تستقر على تطبيق محدد، حتى تقفز بوجهك تطبيقات جديدة، لابد لك أن تتابعها وأن تقرا ما فيها، بل أن تضخ عبرها كما يفعل الآخر؟.
لكن السؤال: هل البنية التحتية التي تحتاجها موجودة لديك، هل هي على أتم الجاهزية ؟ ببساطة علينا أن نعترف أن سورية كانت من أوائل الدول التي عملت على تطوير هذه البنية، والمضي بها قدماً، ومتابعة أجيالها التقنية الجديدة، هذا لايمكن أن ينكره أحد، وما زالت هذه البنية تشهد المزيد من العمل الدؤوب للوصول إلى النقطة المبتغاة، لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، نعرف ما الذي حدث، وكيف يتم الاستهداف.
وبالتالي ما يبقي السؤال: ما العمل أمام حالات ومحاولات الاختراق التي يردونها لغسل لعقولنا واستلابها، بشكل مباشر أو غير مباشر، فالإعلام لم يعد خبراً عادياً، ولا حبراً يكتب، ونمضي، بل صار مدججاً بكل معطيات العلم التقني والإنساني، للوصول إلى ما يريد المرسل.
في بيتك، وغرفة طعامك، ونومك، أينما كنت، أنت هدف لرسالة إعلامية ليست برئية أبداً، هل لاحظتم مثلاً: الخلفيات التي وضعها الفيسبوك، وهي صهيونية؟ يعني مساحة انتشارها تصل حدود العالم ألازرق كله، تسلل غير مباشر، يريدون من خلاله أن نعتاد على رموز الصهيونية (بغض النظر أن بعضها مسروق من تراث المنطقة، ولا علاقة لهم به، لكنهم سطوا عليه، وسوقوه، كما في النجمة السداسية التي تدل الدراسات أنها ليست لهم، لأنهم خارج فعل التاريخ، وليسوا إلا لقطاء المنطقة).
أمر آخر من يفتح محرك البحث غوغل سوف يصدم بأساليب لا تخطر على بال، عشرات الروابط التي تكون فجاة بوجهك مباشرة(غالباً هي فضائح تتناول، تشدك بالصورة والعنوان وغير ذلك، ليمر مباشرة بعدها خبر سياسي مكتوب بسم زعاف، الغاية أن يصل إليك، مع عبارة تقول: الخبر بعد هذه الروابط).
عملياً لقد غصت في بحر أكاذيبهم، ولايهمهم أن تقرأ الخبر فيما بعد، لأنك قرأت العنوان خطفاً، وترسخ في الذاكرة، المهم أنه ومضة سريعة تركت أثرها لديك، وعندما يترك الخبر أثراً اولياً بغض النظر عن كذبه، من الصعب أن تمحوه بسهولة.
فما العمل أمام هذا الطوفان الكاذب؟ هل نقف مكتوفي الأيدي: أليس من الضرورة بمكان العمل السريع على جبهات كثيرة ليس للرد على الأكاذيب، وهذا واجب وضرورة، ولكن من خلال الحضور الكثيف والجيد والمنتج على الشابكة ومواقع التواصل الاجتماعي، وبالضرورة يعني: تأهيل البنية التحتية التي توفر الوصول السريع للحضور على الشابكة، لا أن نبقى تحت رحمة السلحفاة، والكهرباء، والارتفاع الباهظ في ثمن الوحدات التي يجب أن تكون على الأقل بغير هذا الجنون، إذا ما كنا نريد الحضور القوي الفاعل: فلابد من عمل آخر، لا أن نبقى في طريق السلحفاة .
معاً على الطريق – ديب علي حسن