ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
تكثر الافتراضات ومعها تكثر الاستنتاجات, ولا تكاد تخرج كلمة من هنا أو هناك كإجابة عن سؤال احتمالي حتى تشتغل الدعاية الافتراضية بجميع أذرعها،
وتبدأ من فرضية لا يمكن التعويل عليها إلى احتمالات، ومن ثم إلى حقائق تتوهمها قوى وأطراف، باعتبارها تحاكي تمنياتها إلى أن تصل إلى حدود المباشرة برسم مواقف وردود فعل في محاولة لتبديد صورة الخيبة التي ارتسمت نتيجة الوقائع المتناقضة لحدّ الإلغاء مع افتراضاتها.
ولعلّ الموقف الروسي كان من أكثر المواقع السياسية عرضة للتفسير على قاعدة الافتراض، بعد أن تحولت كل كلمة فيه إلى قافية لرسم صورة مرحلة بأكملها، وما بعدها لا يلتقي مع ما قبلها، باعتباره كان حجر الزاوية في المشهد الدولي بالتوازي مع ما تضخه امبراطوريات الإعلام حول الحدث السوري، والذي عليه يتوقف الجزء الأكبر من هيكلة مسرح الأحداث العالمية.
لا شك أن الافتراض كان له دور حاسم في كثير من التطورات، وخصوصاً مع انتشار كاسح للصورة الافتراضية التي غزت عقول الكثيرين، وباتت القرينة والدليل على التوجه العام أو على ما يوازيه من استنتاجات، وصلت في بعض المراحل إلى اعتبارها الحقيقة البديلة لتسويغ العدوان والمباشرة فيه.
في المبدأ لا يمكن تبرئة السؤال الافتراضي، حتى لو لم يكن مغلفاً بالنيات ذاتها، وأيضاً لا يمكن تبرئة ما يليه من استنتاجات، تكون في أغلبها من خارج نص الإجابات وبعيدة عنها، وهي في جوهرها تقدم مقاربة وهمية أكثر مما تترجم وقائع على الأرض، وخصوصاً بعد تجارب عديدة تقمصت فيها الافتراضات دور الريادة في تحريك الأحداث وبناء المواقف وتبني السياسات.
وقد مارست الدعاية الغربية نسقاً متكاملاً من الافتراض، ولعبت بشكل عملي على معطيات برزت في إطار المحاكاة العملية لسيناريوهات احتمالية، ولم تدخر جهداً في تحميل بنك من الأهداف على خارطتها الافتراضية، وتعاطت معها على أنها الوقائع الجديدة.
لذلك سرعان ما تبادر إلى رمي الكرات وتسجيل أهداف افتراضية، ولم تتردد في المحاججة فيها، فتبيع وتشتري في أوهامها، وتبازر في تمنياتها، وفي بعضها، تتاجر بنتائجها.
لا أحد اليوم لديه الشك بأن الافتراض مارس دوره كجزء من الحالة العدوانية القائمة، واستهل ذلك العدوان بضخ جملة من الأكاذيب المغلفة والمكشوفة بالتوازي وتمترس خلفها لرفض التسليم بالإفلاس والخيبة الناتجة عن فشله في تحقيق ما روج له طويلاً أنه قاب قوسين أو أدنى وفي بضعة أيام أو أسابيع وربما أشهر, فإذا به يأخذ سنوات ويتحرك في الاتجاه الآخر.. وبات وصول القطار في موعده هو الخبر فيما لم يعد انتظار تأخيره شرطاً لازماً وفق منطق البروباغندا الغربية..
نحن لا نريد أن نحاجج في الافتراض، لكن في الوقت ذاته لا يغيب عن ذهن أحد أن لكل افتراض وجه آخر يناقضه، وربما يتعارض معه حتى الإلغاء، ومن البديهي أن تكون هناك مقارنة منطقية بين المتناقضين، وفي جردة بسيطة نجد أن معظم تلك الافتراضات التي سوّقتها السياسة الغربية وماكينتها الدعائية، إن لم تكن جميعها دون استثناء، كانت تمنيات لا علاقة لها بالواقع، فيما ارتسمت على المقلب الآخر صور ونماذج لوقائع مقابلة تحاكي الحقيقة في أكثر من موقع، وأولها مثلاً الحديث المتزايد عن تورط استخباراتي غربي في تصنيع قصة الكيماوي، ماذا مثلاً لو أثبتتها الوقائع؟!
لسنا بوارد استباق النتائج، لكن من الطبيعي أن نسرد هنا جملة من الأسئلة المشابهة التي تحاكي الواقع ذاته، وتبدو فيه الكفة المقابلة ترجمة للحقيقية وانعكاس فعلي لها، بدءاً من تورط جهات عربية وإقليمية بتزويد الإرهابيين بالكيماوي، وصولاً إلى أصابع الاستخبارات الغربية في تسويق وتحضير مسرح الجريمة، مروراً بتواطؤ شركات ومسؤولين غربيين في توريد المواد الكيماوية، وليس انتهاء بمسلمة أن تضطر أميركا للأخذ في نهاية المطاف بما يطرحه الروس واقعياً وليس افتراضياً؟!!
a.ka667@yahoo.com