التنمر الإلكتروني.. جرحٌ لا يُرى وضحايا لا تُسمَع أصواتهم

الثورة – بتول أحمد:

شاشة صغيرة، كابوس كبير.. في غرفة مغلقة بدمشق، تجلس (سارة) اسم مستعار، طالبة جامعية في الرابعة والعشرين من عمرها، تحدق في شاشة هاتفها بذهول.. رسالة تهديد وصلتها من حساب مجهول: “سأنشر صورك المعدلة إن لم تدفعي المبلغ المطلوب”.. كانت قد وثقت بشاب تعرفت إليه عبر منصة تعليمية، قدم نفسه كباحث أكاديمي، قبل أن يتحول إلى متنمر إلكتروني.

تقول بصوت مرتجف: “شعرت أن جدران غرفتي تخنقني.. انسحبت من جامعتي لأسبوعين، وكأنني مجرمة هاربة” قصتها ليست استثناءً، بل نموذجٌ لآلاف السوريين الذين تحولت شاشاتهم من نوافذ على العالم إلى سجون رقمية.

بيئة الحرب تغذي “الوحش الرقمي”

ففي بلد أنهكته أربعة عشر عاماً من الحرب، وجد التنمر الإلكتروني تربة خصبة هناك، إذ تشير أعداد من التقارير أن 60 بالمئة من النساء السوريات تعرضن للتنمر الإلكتروني خلال 2022، بينما تعرض 43 بالمئة من الأطفال لمضايقات رقمية متكررة، وفقاً لمنظمة اليونيسيف.

ما يميز الظاهرة في سوريا هو تحولها إلى سلاح لتصفية الحسابات الشخصية كما يقال.. ففي ظل انهيار المؤسسات الرقابية، أصبحت منصات التواصل ساحات لـ”حروب ظِل”، تُستخدم فيها تقنيات بسيطة مثل إنشاء حسابات مزيفة أو تعديل الصور، لتحقيق أهداف تتراوح بين الابتزاز المالي وتشويه السمعة.

وفي هذا السياق يُعرّف المهندس “بشار”- خبير التكنولوجيا التعليمية- التنمر الإلكتروني: أنه “استخدام التقنية لإلحاق الأذى النفسي عبر أشكالٍ متعددة، من التهديدات، التشهير، التحرش، وحتى تزوير الصور كما حدث مع إحدى الشابات “سارة”.

ويكشف أن خطورته تكمن في صعوبة الهروب منه، فالجاني يختبئ خلف شاشة، بينما يظل الضحايا أسرى هجومٍ لا يتوقف حتى عند إغلاق الأجهزة.

آثارٌ تشبه الأعاصير

وفي إجابة الخبير عن آثار التنمر الإلكتروني أوضح أن له آثاراً نفسية واجتماعية عميقة على الأفراد، خاصة في المجتمعات التي تعاني من ظروف صعبة مثل المجتمع السوري.. فالآثار النفسية: تضم الاكتئاب والقلق نتيجة التعرض للتنمر الإلكتروني، ما يفضي إلى تدهور الصحة النفسية العامة للفرد، إلى جانب تسببه في انخفاض الثقة بالنفس، ما قد يؤثر على الأداء الأكاديمي والاجتماعي، كما يفضي أيضاً إلى العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة، بالإضافة إلى إحداثه اضطرابات النوم نتيجة الضغوط النفسية الناتجة عن التنمر، وفي الحالات الأكثر خطورة، قد يفكر الأفراد في الانتحار كوسيلة للهروب من الألم النفسي.

أما عن الآثار الاجتماعية: ذكر المهندس بشار أن التنمر الإلكتروني يهدد العلاقات بين الأفراد، سواء في المدرسة أم في المجتمع، إضافة لتأثيره على الهوية الاجتماعية وعلى كيفية رؤية الأفراد لأنفسهم وكيفية تفاعلهم مع الآخرين، إلى جانب زيادة العنف، في بعض الحالات بمعنى يمكن أن يولد أو يؤدي التنمر الإلكتروني إلى ردود فعل عنيفة من الضحايا أو حتى من المتنمرين أنفسهم.. وهو ما تؤكده سارة بصوتٍ مكبوت: “توقفت عن الدراسة، أخاف من نظرات الجيران، وأشعر أن سمعتي دُمرت إلى الأبد”.

قوانين تعاقب الضحايا

رغم وجود عقوبات قانونية تصل للسجن والغرامات- حسب المهندس بشار- إلا أن 60 بالمئة من الضحايا- وفق الإحصائيات- يصمتون خوفاً من الفضيحة أو عدم الثقة بالجهات المعنية، وهنا يطالب الخبير بإنشاء منصات إبلاغ سرية وخطوط دعم نفسي مُتخصصة ووجوب التعاون بين المدارس والأسر.

ولطالما التكنولوجيا سيف ذو حدين، فقد ساهمت التطبيقات في انتشار التنمر، وهنا يؤكد الخبير التكنولوجي أنها قد تكون الحل، موضحاً ذلك بقوله “بإمكاننا تطوير منصات تعليمية تُفعّل الرقابة الذكية، وتُدرب الطلاب على المواطنة الرقمية”، مشيراً إلى مبادرته “المهندس بشار للتكنولوجيا التعليمية” التي تهدف لإنشاء فصول افتراضية آمنة في سوريا.

بصمة أمل

يختم الخبير حديثه برسالةٍ للضحايا يشير فيها إلى توثيق الأدلة كأول خطوة للانتصار، “أنتم لستم وحدكم”، كما يعلن عن إطلاق دليل إلكتروني مجاني الشهر القادم: “كيف تحمي أبناءك في العالم الافتراضي”.

نعود إلى ما قالته الشابة “سارة”: “التنمر الإلكتروني سرق جزءاً من روحي.. لكنني أتعلم المشي من جديد”، كسرت صمتها ، بعد أن وجدت الدعم في إحدى الجمعيات المحلية، ورسالتها للأسر السورية: “لا تستهينوا بشكوى أبنائكم.. فجرح التنمر أعمق من أي طعنة”.

آخر الأخبار
مجلس الأمن يمدد ولاية قوة "أوندوف" في الجولان السوري المحتل إعلام أميركي: ترامب يوقع اليوم أمراً تنفيذياً لتخفيف العقوبات على سوريا عودة مستودعات " الديسني" المركزية بريف بانياس تكريم الأوائل من طلبة التعليم الشرعي في التل انعكس على الأسعار.. تحسن قيمة الليرة السورية أمام الدولار "الاقتصاد".. منع استيراد السيارات المستعملة لعدم توافق بعضها مع المعايير ١٥ حريقاً اليوم ..و فرق الإطفاء في سباق مع الزمن لوقف النيران الشيباني يبحث مع وفد من“الهجرة الدولية” دعم النازحين وتعزيز التعاون "السودان، تذكّر" فيلم موسيقي عن الثورة والشعر ٥٢ شركة مشاركة... معرض الأحذية والمنتجات الجلدية ينطلق في حلب ماذا تعني الاتفاقية السورية- الأميركية لمشروعي الطاقة الشمسية؟ أميركا تستثمر في شمس سوريا بتكلفة 1.5 مليار دولار.. توقيع مذكرة إنشاء أول مدينة إعلامية وسياحية متكاملة في سوريا حي غزال في سبينة ..منسي خدمياً.. رئيس البلدية: الإمكانيات محدودة للارتقاء بواقع الخدمات الدعم العربي لسوريا في إعادة الإعمار يؤسس لشراكات اقتصادية واستثمارية سوريا ترسم هويتها العربية الجديدة على أسس المصالح المشتركة الشبكة السورية لحقوق الإنسان تعلن انطلاق عملها الرسمي من العاصمة دمشق  من العزلة إلى الانفتاح.. سوريا تعود لمكانها الطبيعي في البيت العربي التأهب مستمر لمنع تجدده.. السيطرة على حريق مشهد العالي في مصياف الدفع السياسي يعزز التعاون والتنسيق السوري العربي بمواجهة التحديات الأمنية