ثورة أون لاين :
ربما لن يعثر المؤرخون على حالة مماثلة في التاريخ الحديث والقديم لما هي عليه الولايات المتحدة؛ لجهة عهر الممارسة السياسية؛ ولجهة سوء الأداء الذي يتخذ من الكذب والتلفيق مذهباً له في إثبات صوابية سياسته؛أو في محاولة إقناع الرأي العام بذلك، ولناحية الاجتزاء المقيت الذي تمارسه في تعاطيها مع الوقائع والأحداث، بما يسيء لها وللقضية المطروحة على بساط البحث الدولي !.
وعندما يقال إنه ربما لن يعثر المؤرخون على حالة مماثلة للحالة الأميركية في ممارسة الكذب والتلفيق، فإن ذلك لا يقع ولا ينطوي على شيء من مبالغة؛ لأن تلفيق الأدلة على العراق هو مجرد مثال ما زال حاضراً في الأذهان؛ حيث كشف الأميركيون ذاتهم ( كولن باول ) عن الكذبة ومصادر تصنيعها؛ وعن الأبطال الاستخباراتيين المزيفين الذين شاركوا بخلقها وإخراجها وتسويقها !.
اليوم يبدو العالم أمام الحالة ذاتها، ذلك أن الإدارة الأميركية تفبرك وتكذب بمساعدة أدواتها الرخيصة، كذبة استخدام «الكيماوي» في سورية، متجاهلة كل الأدلة المتوافرة التي تشير – بما لا يقبل التشكيك – إلى الجهة التي استخدمت هذا السلاح، فضلاً عن تجاهلها وقائع الاستخدامات الأخرى له (حادثة خان العسل ) التي دفعت الحكومة السورية لدعوة الأمم المتحدة للقدوم وإجراء تحقيق شامل عطَّلته أميركا ذاتها !.
سياسة التلفيق والاجتزاء الأميركية هي أمر واقع لا يمكن لأحد إنكاره، وقد تكون السبب الحقيقي الذي يضع الولايات المتحدة في أزمات متعددة الأوجه والأبعاد؛ منها أزمة المصداقية؛ وأزمة الموضوعية، فضلاً عن الأزمة الأخلاقية.
في التحليل والاستنتاج؛ ربما نجد أن انتهاك الولايات المتحدة للقانون الدولي؛ هو نتاج طبيعي لهذه السياسة لا ينبغي استغرابه واستهجانه، بل يجب التصدي للسياسة التي تنتجه إسقاطاً لها كسياسة، وإحقاقاً للحق وتنفيذاً للقانون وحماية له.
والأمثلة على عهر السياسة الأميركية التي تلفق الأكاذيب، والتي تجتزىء الحقيقة لتحقيق أهداف وغايات ومصالح شيطانية، هي أكثر من أن تعد، والأكاذيب المتعلقة بتشويه حقيقة من استخدم «الكيماوي» في سورية هي مثال طازج ليس إلّا، وإلّا فلماذا ضغطت واشنطن لجعل مهمة فريق التحقيق الأممي تقتصر على تثبيت الاستخدام من عدمه فقط، ولماذا ضغطت لئلا تشمل المهمة تحديد الجهة المستخدمة، ولماذا تمتنع عن جعل الفريق يحقق في كل الحالات، ولماذا تتحدث في اتجاه واحد وتتجاهل الأدلة السورية والروسية القاطعة ؟!.
لن نضع هذه التساؤلات برسم واشنطن؛ ولن ننتظر منها إجابات دقيقة أو غير دقيقة؛ ولا إجابات موضوعية أو غير موضوعية، لكننا نسأل الرأي العام المحلي والعربي والدولي عن موقفه من الخطاب الأميركي الذي يُكثر من الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم والشرق الأوسط؛ والذي يُكثر من التهديد بشن الحروب من أجلهما كاستحقاقات .. هل يعني عدم تطرق أصحاب هذا الخطاب – داخل الإدارة الأميركية وخارجها – للديمقراطية وحقوق الإنسان في السعودية وبلدان الخليج أن الإدارة الأميركية معجبة بالتجارب الديمقراطية السعودية والخليجية .. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا تفيد الولايات المتحدة من تجربة مطاوعية آل سعود ؟!.
علي نصر الله