ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
لا يكتفي الأميركي اليوم بالعودة إلى حقائب أتلفتها أحزمة شدّت رحالها مراراً وتكراراً، بل يذهب بعيداً ليكون شاهداً وشريكاً في «بيدر » الإرهاب، بعد أن استفاض المكوث في حقول مرتزقته الممتدة من أفغانستان إلى العراق وما بينهما، يحصي مع الإرهابيين يداً بيد خسائره وأرباحه، ويعدُّ مكتسباته، ولا يخفي هواجسه ومتاعبه.
ولا يكتفي أيضاً بالإيعاز إلى الفرنسي ممثلاً بالرئيس هولاند للحديث عن طرق باب تسليح الإرهابيين، بل يشاركه بتسريب حديث البنتاغون عن إعداد خطط لتدريب الإرهابيين، كإضافة من خارج نص الجدول الأميركي.
قد لا يحتاج الأمر لكثير من التفسير، ولا للإضافة والشرح، للتأكيد بأن الأميركي، وكذلك الفرنسي ومعه البريطاني يعيدون اصطفافهم في تلك البيادر، بعد أن شعروا بأن قاعات مجلس الأمن لا مكان لهم فيها أبعد مما تحقق، ولا حصص إضافية، يمكن أن تترجم ما شغلوه في حقول الإرهاب.
المعضلة ليست هنا.. لأن المسألة منتهية من ناحية القرار والتنفيذ، وقد أوكلت المهمة لأدوات وقوى ودول، وهي مصرّة على المضي فيه تسليحاً وتدريباً، وتزويداً بالمقاتلين «الجهاديين» من أصقاع الدنيا كلها، بل هي في السياق الذي تؤكده، أو تعيد إظهاره على السطح بعد أن شعرت بأن الوقت لا يعمل لمصلحتها، وهي التي راهنت عليه منذ بدء الحديث عن مؤتمر دولي يستند إلى ما تمّ تحقيقه بعد المبادرة الروسية، والاستجابة السورية غير المحسوبة في بنود خياراتهم.
وبالتالي من الواضح أن السير باتجاه الحلّ السياسي لم يُدرج بعد في جدول أعمال الأميركي، فيما بقية حلفائه وأدواته يجدون في هذه المحصِّلة خشبة خلاص من المأزق السياسي والدبلوماسي الذي كان يريد الأميركي أن يُغرقهم فيه، حين تحدث عن إمكانية القبول بالذهاب إلى المؤتمر الدولي بعد المبادرة الروسية، وتركهم على قارعة الطريق شركاء منسيين ووكلاء مهجورين، ينزعون أشواكهم بأيديهم.
وعلى هذا الأساس يعود الأميركي إلى الرهان مجدداً على متغير على الأرض يمكن من خلاله تحسين شروط جلوسه على الطاولة، ويمكن له أن يجد بحكم الأمر الواقع من يعتقد أنه يمتلك أوراقاً تساعده على أن يكون إلى جانبه في طاولة المفاوضات، بعد أن تأكد أن كل ما تمّ تعويمه من أسماء وشخصيات بتعدد أطياف ألوانها، ليس بمقدورها أن تحتل المقعد الشاغر الذي يعمل الأميركي جاهداً على إشغاله ولو جزئياً.
وتحت هذا الهدف سواء أُعلن أم لم يعلن، يمكن قراءة اللجوء الأميركي إلى تسريب المعلومات عن وضع البنتاغون لخطة التدريب على طاولة البيت الأبيض للمباشرة فيها، وتحت هذه الغاية كان الفرنسي يعلن عن نيَّته المباشرة وغير المباشرة، وفوقهما مجتمعين كانت المحاولات المحمومة لترميم المسافة الفاصلة بين الأميركي وأدواته، التي شهدت تباعداً لم يكن بمقدوره أن يردمه دون التلويح بالانخراط في التدريب، والطلب من حلفائه الالتزام العلني ببدء تسليح الإرهابيين مباشرة.
المفارقة أن الأميركي الذي يعود إلى أوراقه القديمة لتقوية موقفه التفاوضي، أو لتجديد حقائب دبلوماسيته المرتبكة، لا يضيف من حيث النتيجة أي جديد، باعتبار أن كل ما تحدث عنه لن يعدِّل في مسار المشهد، ولكنه ربما كان مؤثراً في تراتبية الأولويات التي بدأت الإدارة الأميركية تعيد من خلالها الاصطفاف السياسي، بحيث تشير إلى أن تخلِّيها عن التحضير للعدوان لا يعني نزوعها باتجاه الحلّ السياسي، ولا مجال لاقتران هذه بتلك، وأن جاهزيته لأي حلّ سياسي تحكمها عوامل وحسابات الربح والخسارة، التي تشي في جردة أولية بأن الكفَّة لا تزال مختلّة في الاتجاه الآخر، وستبقى كذلك، ولا يزال الأميركي يكابر في قبولها، رغم يقينه باستحالة التعديل.
قد يكون بمقدور أميركا أن تُعدِّل بما تشاء.. أن تُدرِّب وتُسلِّح، وأن تفتح أبوابها وتشرعها للتعاون الصريح مع القاعدة والإرهاب، وهو الذي لم يخرج من حسابات التداول الأميركي، لكن لن يكون بمقدورها أن تعدِّل من ميزان الوقائع على الأرض، وما عجز عنه أدواتها وحلفاؤها الإقليميون والغربيون، لن تنجح فيه، وما فشلوا فيه طوال ثلاثين شهراً لن يكون بمقدورهم أن يعوّضوه في ثلاثين شهراً.. ولا في ثلاثين عاماً.
فالمسألة ليست في نقص مسلحين وإرهابيين، والعالم يشهد على البوابات المفتوحة لهم من أصقاع الأرض، وفيهم من تلقّى تدريبات عالية واحترف الإرهاب والقتال في تجارب خاض الأميركي بعض نماذجها، وجرَّب بعضها الآخر في أكثر من موقع، بل أساسها وجوهرها في إرادة كانت المعيار على الأرض، وكانت الحامل الفعلي لصمود لم تؤثر فيه طبول العدوان ولا أساطين السياسة وخرافات الدبلوماسية، ولا شراكات الأميركي والفرنسي والبريطاني المعلنة والمضمرة مع الإرهاب.
والأميركي جرَّب نموذجين وخيارين، وبين النتيجة والحصيلة يستطيع أن يجري مقارنته، فالدبلوماسية حين تفتح نوافذها والنيّات الجيدة حين تحضر إرادتها استطاعت أن تفتح بوابات لتجاوز المأزق والخروج من عنق الزجاجة، فيما خيارات القوة والتهديد بالعدوان، أو العودة إلى التمترس في بيادر الإرهابيين حَشَرت الأميركي أكثر من مرة، فدعم الإرهاب والتعاون مع التنظيمات الإرهابية ليس مجالاً للتجريب.. لا في حصاد البيدر ولا في حسابات الحقل، وسبق للأميركي أن اختبر ذلك بذاته!!
a.ka667@yahoo.com