الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
تعتبر الانتخابات جوهر الديمقراطية، حيث يترك الخاسرون مناصبهم طواعية بينما يحظى الفائزون بالقوة المشروعة، ومع ذلك شهد العالم للتو مشهداً مذهلاً لحشد من الغوغاء يقتحمون مبنى الكابيتول الأمريكي رافضين شرعية فوز الرئيس المنتخب جو بايدن، مدفوعين بأكاذيب الرئيس دونالد ترامب الوهمية بشأن نتائج انتخابات مسروقة، وقد قام المشاغبون بتسلق الجدران وكسروا النوافذ واقتحموا قاعات الكونغرس، كما تجولوا في قاعة التماثيل حاملين علم الكونفدرالية، بدلاً من علم الولايات المتحدة، وهو يرفرف فوق أكتافهم، ولوحوا بالأسلحة على أرضية مجلس الشيوخ وقتلت امرأة بالرصاص، وسارع أعضاء الكونغرس بالانسحاب وأُجبروا على تعليق الأعمال المطلوبة دستورياً والمتمثلة في التصديق رسمياً على فوز الرئيس المنتخب بسبب التحريض الذي أطلقه الرئيس الحالي في تمرد واضح على شرعية الانتخابات.
لا شك في أن الصراع على الانتخابات المثيرة للجدل أمر شائع في جميع أنحاء العالم، وبحسب بعض التقديرات، يمكن تصنيف ما يقرب من خُمس الانتخابات في جميع أنحاء العالم على أنها مثيرة للجدل، مما يعني أنها تنطوي على تحديات كبيرة لشرعية الجهات أو الإجراءات أو النتائج الانتخابية، و مثل هذه المنافسات شائعة بشكل خاص، وتحدث غالباً في دول غير مستقرة لها تاريخ طويل من الحروب الأهلية، مثل أفغانستان وبوروندي، وفي أسوأ الحالات يتم تقويض الشرعية وتدمير الممتلكات وقتل المدنيين.
لكن مثل هذه الأشياء لا يُفترض أن تحدث في الغرب، حيث تسود الأعراف الديمقراطية منذ قرون، ففي هذه البلدان يتم التعامل مع الانتخابات المتنازع عليها من خلال الاستئناف القانوني للجان الانتخابية والمحاكم.
وقد حذّر الكثير من الصحفيين والمعلقين في بيلتواي، في الآونة الأخيرة، من نوايا إدارة ترامب لانتهاك الأعراف الديمقراطية، كما قام خبراء في السياسة المقارنة والتاريخ المعاصر بإصدار تحذيرات عاجلة حول انهيار الديمقراطية الليبرالية في الولايات المتحدة وحول العالم، مع عناوين مثيرة مثل “هل يمكن لهذا أن يحدث هنا”؟ و “كيف تموت الديمقراطيات” ، و”شفق الديمقراطية”.
إلا أنّ أولئك الذين فشلوا في توقع مخاطر الأزمة الحالية للولايات المتحدة لم يعيروا اهتماماً كافياً لكلمات ترامب الفعلية، فقد كرر الرئيس ترامب مراراً وتكراراً مظالمه حول تزوير الانتخابات وقام بإرسال أكثر من 300 تغريدة على تويتر يشكو فيها من نزاهة الانتخابات، وذلك بعد ساعات فقط من الانتخابات، وقد قال المطّلعون إنها كانت مجرد لعبة ساخرة، لذلك عندما حشد ترامب أنصاره في السادس يوم الأربعاء، وغرّد على تويتر “كونوا هناك “، كان من الواضح تماماً أن قوات الأمن في الكابيتول هيل لم تأخذ الأمر على محمل الجد وبدت غير مستعدة للتعامل مع الحشود، كما كان القادة الجمهوريون أيضاً غير مستعدين لما يجري وفشلوا في التعامل مع هذه المخاطر بشكل جدي.
وفي نظرة سريعة إلى الانتخابات الثمانية الأخيرة، من عام 1992 إلى عام 2020 ، فقد فاز الحزب الجمهوري بأغلبية الأصوات الشعبية مرة واحدة فقط، وحصل ذلك في عام 2004، لكن ومع تراجع آفاقه الانتخابية الوطنية، فقد انجرف الحزب أكثر نحو عدم الليبرالية، وأظهرت دراستان حديثتان مستقلتان لكل من V-Party و Global Party Survey ، مدى التطرف الذي بلغه الحزب الجمهوري، من حيث موقفه تجاه مبادئ الديمقراطية الليبرالية، كما يُعتقد أنه الآن، أي الحزب الجمهوري، يبدو أقرب إلى الأحزاب الشعبوية الاستبدادية.
أخيراُ، يبدو أنّ المشكلة تكمن أيضاً في القاعدة الجمهورية، فقد ضعفت أسس الثقافة المدنية الأمريكية والثقة في الحكومة بالإضافة إلى تضاؤل الثقة في النظام السياسي بأكمله على مدى عقود، ويسأل استطلاع القيم العالمية ما إذا كان الناس يوافقون على أنواع مختلفة من الأنظمة السياسية، ففي عام 1995 قال 25 في المائة من الأمريكيين إنها فكرة جيدة أن يكون لديك “زعيم قوي ليس عليه أن يكلف نفسه عناء البرلمان والانتخابات”.
وبحلول عام 2017 أيّد 38 في المائة من الأمريكيين هذا الاعتقاد، وهكذا بدا ترامب كمن يلقي عود ثقاب في بركة من البنزين عندما اختار أن يدّعي أن بايدن قد سرق الانتخابات، ففي أحد الاستطلاعات التي أجريت قبل أعمال الشغب مباشرة ، قال 75 في المائة من الذين صوتوا لصالح ترامب إنه لا ينبغي له التنازل، ويعتقد 88 في المائة أن هناك ما يكفي من التزوير الانتخابي لتغيير النتيجة، وقد بيّن استطلاع آخر تمّ مباشرة بعد اقتحام مبنى الكابيتول، أنّ 45 في المائة من الجمهوريين وافقوا على الهجوم، واعتبر 27 في المائة منهم فقط أنه يشكل تهديداُ للديمقراطية، لكنّ الجمهوريين كانوا أكثر ميلاً لرؤية المشاركين في الشغب كمتظاهرين وطنيين، في حين اعتبرهم الديمقراطيون متطرفين أو إرهابيين محليين.
وتشير تجارب البلدان الأخرى في انتخاباتها المثيرة للجدل إلى أن تدمير الثقة أسهل بكثير من إعادة بنائها، فقريباً سيسيطر الديمقراطيون في الولايات المتحدة على مجلس النواب ومجلس الشيوخ والبيت الأبيض، وبمجرد أن يفعلوا ذلك، يجب عليهم بذل الجهود لتمرير قانون من أجل الشعب، وهو حزمة شاملة من الإصلاحات المعتدلة، مثل الحد من التلاعب في توزيع الدوائر وتوسيع حقوق التصويت، والتي وافق عليها مجلس النواب في عام 2019 في محاولة لاستعادة الثقة في العملية الانتخابية، وفي غضون ذلك، قد يتفاعل الجمهوريون جيداً مع صدمة التمرّد، إلى جانب خسارتهم البيت الأبيض ومجلس الشيوخ، وذلك من خلال اختيارهم للتعاون لإصلاح العديد من الأخطاء الخطيرة التي ارتكبتها الولايات المتحدة، لكنّ الأمر لن يكون سهلاً على الأقل خلال السنوات الأربع المقبلة، وسيكون الأمر متروكاً لإدارة بايدن لمحاولة القيام بما يجب القيام به في محاولة استعادة الثقافة المدنية، وإعادة بناء الثقة في الحكومة، وإقناع الدولة باختيار الوحدة على الانقسام، والتسامح على الكراهية .
المصدر Foreign Affairs