لا يمكن الفصل بين تشكل وظهور فيروس كورونا وانتشاره السريع على مساحة المعمورة وما تتعرض له الطبيعة من عدوان بشري يتمثل في إشادة سدود عملاقة وصادات رياح وقطع أشجار وغابات وما تنفثه المعامل والمصانع من مخلفات وانبعاثات وما ينتج عن الاحتراق الحاصل من عوادم المركبات بكافة أنواعها وأشكالها، وما تخلفه التجارب النووية من آثار ضارة على مجمل البيئة الطبيعية كل هذه الأشياء.
غيرها من مظاهر التقانة الحديثة تترك آثاراً كارثية على البشر والحجر والكون على وجه العموم فها هي الدراسات المتعلقة بالبيئة والحفاظ على الحياة البيئية تشير بشكل واضح إلى أن الحياة على كوكب الأرض مهددة بفعل الاعتماد على التقانة وما تنفثه المصانع والمعامل والآلات، وكذلك التجارب النووية من سموم تهدد الحياة على وجه الأرض وتنذر بكوارث بيئية بدأت ترتسم ملامحها على الطبيعة، ولعل المفارقة تكمن في أن الإنسان الذي ابتكر الأساليب والطرق ليحمي نفسه من الطبيعة وشرورها قديماً بدأ يدمر هذه الطبيعة من خلال التقانة وأخذ يحتمي بها من آثار ما أنجزه وهو مدرك أن الطبيعة هي الرحم الذي يحتمي به بل إنها جنته الحقيقية.
إن الإنجازات العظيمة والحضارة الخلاقة التي حققتها البشرية عبر مئات السنين وفي صراع تاريخي طويل أوصلت العالم إلى ما هو عليه الآن من رقي وتقدم لا تبرر مسألة أن الاعتبارات الاقتصادية والمصالح التجارية والأرباح التي تحققها الشركات العملاقة تتقدم على الاعتبارات المتعلقة بسلامة الكرة الأرضية والحياة البيئية فإذا كان ثمة بدائل اقتصادية وتقانية متاحة ففي المعنى البيئي والطبيعي لا بدائل من هندسة الكون ونظامه الدقيق والمحكم والمتوازن، وإذا كانت الكهرباء قد ألغت الفروق بين الليل والنهار فإنه لا يمكن أن تكون البديل من القمر ونوره وجماليته ولم تستطع كل الآلات الحرارية أن تمون بديلاً من دفء الشمس، حيث يصعب بل يستحيل على النجوم أن تضيء في حضرتها وكل الطاقات النووية أن تكون بديلاً من طاقة الإنسان الروحية.
إن الدفاع عن الطبيعة مسؤولية كل البشر وهي فوق كل الاعتبارات السياسية والاقتصادية وإلا فسنجد أشكالاً من الأمراض والأوبئة أكثر فتكاً من جائحة كورونا في مواجهة غير متكافئة بين قدرات الطبيعة الخارقة حال غضبها ووحوش العولمة الاقتصادية من أكلة لحوم البشر الأقزام في مواجهتها عندما تستل سيفها السحري؟.
إضاءات- خلف المفتاح