بينما يتحدث بعصبية محاولاً جرفها نحو موضوع مختلف، رغم المسافة البعيدة، بدا أنه يحكي بمفرده، لم تسمع ولا كلمة تجمد ذهنها، شخَص لها الحالة باعتباره طبيباً سابقاً، حالة ذعر حين اقتربت من الكورونا إلى هذا الحد.
فجارتها اللطيفة التي كانت دائماً عوناً وسنداً لها، اليوم تفوهت ببضع كلمات دون أن تدرك عمق تأثير كلماتها..!.
زوجي الذي يبلغ السبعين من العمر يقاوم كريباً حاداً منذ أكثر من أسبوع وحالته تسوء..!.
نطقتها بذعر ..ربما كورونا.
شعرت بنبضات قلبها تكاد تقفز من صدرها، وهي التي مضى بعض الوقت كانت قد تناست حتى الإجراءات الوقائية من هذا الوباء اللعين، شحوبها، كلامها المتسارع، وأسئلتها اللانهائية عن حالة الزوج .. ومن ثم صمتها الرهيب، كلها لم تعن شيئاً للجارة..!.
جارتها وصديقتها منذ عشر سنوات تقريباً، فجأة نسف كل شيء..وهاهو شبح الكورونا بينهما يتكلمان سوية، دون أن تسمع إحداهما الأخرى..إنها تتخيل الضباب الرمادي في المشافي، وتلك الملابس التي يرتديها الطاقم الطبي، التي تشبه ملابس رواد الفضاء، وكيف تجلس بينهم وهي بالكاد تتنفس…والقشعريرة تهزها….حين قالت الجارة ما رأيك..؟.
اكتشفت أنها لم تسمع كلمة واحدة ..؟.
ما إن شربت قهوتها ومضت…سارعت إلى الاتصال بأحد الأطباء السابقين، حين روت له تتالي الأحداث وأن جارتها غادرتها للتو… علا صوته، ولم تعد تفهم شيئاً مما يقوله…!.
كلما حاولت استنتاج إن كان جارها المريض مصاب الكورونا..يحيلها إلى التحاليل وصور الأشعة ولم يتمكن حديثه من تهدئة مخاوفها على العكس أدخلها في دوامة من الرعب، واتهمها أنها مصابة بحالة ذعر من الكورونا..الأمر الذي يخفض مناعتها إلى النصف..!.
أغلقت الهاتف لتكتشفت أن أحاديثها المتكررة لا تنفعها في شيء..!.
تلاعبت بعقلها ….واعتبرت أنها لم تسمع حديث جارتها التي تخالطها يومياً ولساعات طويلة، منذ حوالي أسبوع، وهي بدورها تخالط زوجها مباشرة.
ورغم عدم ظهور أي أعراض…إلا أن خفقان ذهنها، بدا هو الذي سوف يودي بها.
وبعد بضعة ايام قليلة حين مر جارها من أمامها مخبراً إياها أنه عانى من مجرد نزلة برد…شعرت بثقل بروفة الكورونا، عاودتها القشعريرة، خاصة ذكرى المشهد الختامي الذي تخيلته، ولكن عودتها إلى الحياة…جعلها تشعر كأنها استعارت ممحاة والبياض يلف ذاكرتها كطفل وتعود للحياة كأنها الحلقة الأولى.
رؤية- سعاد زاهر