الثورة – ورود مأمون رحيمة:
مع تزايد عودة الطلاب السوريين من بلاد اللجوء غير العربية، تواجه المدارس الحكومية تحديات كبيرة في تأمين اندماج تعليمي سليم لهؤلاء العائدين الذين وجدوا أنفسهم فجأة ضمن بيئة لغوية وتعليمية مختلفة تماماً عمّا اعتادوه.
وبين فرحة العودة إلى البلاد وصعوبة التأقلم مع المنهاج الوطني، ظهرت مشكلة “الفقر اللغوي” لدى شريحة واسعة من الطلاب، ما خلق فجوة واضحة بين إمكاناتهم اللغوية ومتطلبات الصفوف التي أُلحقوا بها.
وفي هذا الإطار، تؤكد مديرة مدرسة “ثانوية جديدة الوادي للبنات” بريف دمشق، هنادي كوكش، أن ضعف اللغة العربية هو العائق الأكبر أمام الطالبات العائدات، مشيرة إلى أن معظم الطالبات “لا يكتبن ولا يقرأن بشكل كافٍ”.
وأوضحت كوكش أنه جرى تنبيه الأهالي أثناء التسجيل إلى ضرورة إلحاق بناتهم بدورات صيفية لتقوية مهاراتهن اللغوية، مضيفة أن الكادر التعليمي يضطر خلال الامتحانات إلى قراءة الأسئلة للطالبات حتى يتمكن من محاولة الإجابة.
بدورها، تقول معلمة اللغة العربية نوران صنوبر أن الأخطاء الإملائية والنحوية شائعة بين الطالبات العائدات، وبعضهن لا يمتلكن أساسيات تركيب الجمل، وتكون الفوارق واضحة لصالح الطالبات اللواتي حرص ذووهن على تعليمهن اللغة العربية في المنزل أو تحفيظ القرآن الكريم.
في المقابل، ترى معلمة اللغة الإنجليزية جنية المصري أن الطلاب العائدين من الدول الأوروبية يتمتعون بمستوى متقدم نسبياً مقارنة بالقادمين من تركيا، إلا أن ضعف اللغة العربية يبقى عائقاً في دروس الترجمة التي تتطلب توازناً بين اللغتين.
أما مدرسة الرياضيات لجين زيتون فتوضح أن مادتها لا تتأثر كثيراً بالضعف اللغوي لكونها تعتمد على الفهم أكثر من التعبير الكتابي.
تحديات نفسية وسلوكية مرافقة
لا يقتصر التحدي على اللغة فحسب، إذ تشير كوكش إلى أن بعض الطالبات العائدات يعانين حساسية نفسية واضحة نتيجة الضغط الذي عاشهن خلال سنوات الثورة أو خلال وجودهن خارج البلاد، مضيفة أن هذا الواقع يتطلب جهوداً إضافية من الكادر التعليمي لتوفير بيئة احتضان ودعم نفسي.
من جانبها، تلفت زيتون إلى وجود اختلاف في الانضباط السلوكي، حيث تستغرب الطالبات من توجيه ملاحظات إليهن حول أمور كانت مسموحة في مدارس الدول الأوروبية.
قصص فردية تعكس واقعاً عاماً
تعيد التلميذة خزامى أبو حطب، العائدة من تركيا إلى الصف التاسع، عامها الدراسي بسبب اختلاف القوانين بين البلدين، وتقول إنها تفهم العربية جيداً لكنها تواجه صعوبة في بعض المصطلحات اللغوية، مؤكدة أنها ستبذل جهوداً مضاعفة لتعويض الفجوة، رغم استلامها كتباً قديمة.
أما التلميذة ليليان شعبان، البالغة من العمر 12 عاماً، فتأسف لأنها لا تتمكن من التواصل بسهولة مع بعض المعلمات رغم محاولاتهن المساعدة، مشيرة إلى أنها لا تزال تجد صعوبة في فهم الدروس.
في المقابل، تبدو الطالبة سنا الطويل، العائدة من النمسا، أكثر قدرة على الاندماج لأنها تعلمت العربية من والدتها والإنجليزية من والدها، لكنها تواجه مشكلة في الكتابة والخط، رغم أنها تجد المقررات العلمية في سوريا أسهل.
من جهتها، تقول السيدة مرام الأحمد، ولية أمر طالب في الصف الرابع، إنها لم تلمس برامج دعم رسمية للطلاب العائدين، ما اضطرها إلى تسجيل طفلها في مدرسة خاصة بسبب ضعف لغته العربية مقارنة بأقرانه، مؤكدة أنها تبذل جهداً إضافياً لتعويض الفجوة.
مقترحات تربوية لمعالجة الفجوة
ترى معلمة اللغة الإنجليزية جنية المصري أن دروس التعلم عبر الإنترنت قد تكون وسيلة فعالة لتعويض الضعف اللغوي، خاصة مع توفر منصات تعليمية حديثة.
فيما تؤكد المعلمة نوران صنوبر ضرورة تزويد المدارس بوسائل تعليمية مناسبة للمراحل الأولى بهدف تعزيز المخزون اللغوي للطلاب، محذرة من أن دمج الطلاب العائدين مباشرة بأقرانهم “يظلمهم”، نتيجة الفجوة الكبيرة في المستوى.
بدورها، ترى المعلمة هنادي كوكش أن دروس التقوية بعد الدوام هي الحل الأسرع لمساعدة الطلاب، ولو لمدة ساعة واحدة يومياً، وهو الاقتراح الذي تؤيده ولية الأمر السيدة مرام، باعتباره يخفف العبء عن الأسرة والمعلم معاً.
كما تشدد كوكش على ضرورة وجود مرشدين نفسيين متخصصين داخل المدارس للتعامل مع مشكلات الطلاب العائدين وتخفيف أثر التجارب التي مرّوا بها، مؤكدة أن الدعم النفسي جزء لا يتجزأ من عملية الدمج التعليمي.
الجدير بالذكر أن مدير التعليم في وزارة التربية، محمد سائد قدور، أعلن في شهر تشرين الأول الماضي أن عدد الطلاب العائدين إلى سوريا تجاوز المليون طالب وطالبة، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى مليون ونصف، مؤكداً أن استيعابهم في المدارس يتطلب اتخاذ عدة إجراءات، من بينها تخصيص أماكن لتدريس مناهج اللغة العربية بهدف سدّ الفجوة المعرفية ودمجهم في المنظومة التعليمية.