لعل وصف نظرة الجيوكندا لبستني كلياً وأنا أقرأ ترجمة للمقال الذي نشره روبرت فورد سفير الولايات المتحدة الأميركية في سورية سابقاً، قبل أسبوع في مجلة( فورين بوليسي) وفيها يقدم نصائحه للإدارة الأميركية الجديدة بزعامة جو بايدن القادم الجديد إلى البيت الأبيض حاملاً معه الكثير من المشاريع الجديدة الهادفة إلى تطهير ما دنسه دونالد ترامب من علاقات مختلفة، سواء مع الأعداء أو حتى مع الخصوم والحلفاء.
ببساطة يصوغ فورد في مقاله توصيفاً للوضع المعقد والمتداخل في سورية معتقداً أنه ما زال مقيماً بحي المالكي الدمشقي العريق مع فارق بسيط عما كان عليه حاله قبل عشر سنوات فقط، فما كان يعمل عليه حينذاك لم يعد ملائماً ولا يناسب السياسة الأميركية المتغطرسة، وزيارته لمكتب المحامي حسن عبد العظيم لم يعد لها معنى مع نصائحه لإدارة بايدن بترك سورية وشأنها وعدم الاستمرار في النهج ذاته.
أما زيارته لحماة ومسيره بين المتظاهرين ودفعهم للقيام بعمليات تخريب وقتل فقد أضحت من ذكريات الزمن الخاطئ، ولم يكن وقوفه أمام المساجد إلا خطيئةً تستوجب التوبة النصوح.
ويبقى ذهابه إلى مدينة جاسم في حوران واحدة من الزيارات الاطلاعية التي تدخل في ميادين السياحة وحدها.!
شيء يضحك ويؤلم في آن واحد أن نرى سفيراً أميركياً كان قد تم تكليفه بسفارة واشنطن في سورية للإشراف الأعلى على المخطط العدواني وتخريب بنية المجتمع السوري عبر المظاهرات الكاذبة والمطالب المستوردة والأكاذيب المضللة، وكان من المفترض تنفيذ ذلك المخطط خلال فترة قصيرة، فيفشل المخطط ويفشل معه السفير في تنفيذ المهمة الموكلة له، فيطرد، وتبقيه وزارة خارجية بلاده على رأس مهمته فترة طويلة خارج مقر سفارته المغلقة علّه يستطيع استكمال مهمته الفاشلة، فيترك وظيفته ويتحول إلى لعب دور الناصح الذي يقدم مقترحات بين فترة وأخرى.
والواقع أنها ليست المرة الأولى التي يقترح فيها على الإدارة الأميركية عدم الاستمرار في النهج ذاته في سورية، لكنها مع بدء الأيام الأولى لإدارة بايدن وبعد خمسة أيام فقط تمثل حالة لها دلالات كبيرة على ضرورة إيلاء الحدث السوري اهتماماً كبيراً يفوق ويعلو على تسلسل اهتمامات الرئيس الجديد، ويعكس حالة الاعتراف بالفشل في القدرة على فرض الإرادة الأميركية على سورية وشعبها وجيشها وقيادتها، وفي هذا اعتراف لسياسي ودبلوماسي أميركي خرج من الخدمة وهو اليوم يحاول أن يتلمس الحقيقة، أو يقدم شهادة صادقة قبل رحيله إلى الدار الآخرة، وبعيداً عن هذا وذاك، فإن تلك النصائح تأتي متأخرة عشر سنوات على الأقل، فضلاً عن أنها تأتي في الوقت الضائع، وفي المكان منعدم الجاذبية، فالعالم كله يعلم أن سورية صمدت وجابهت كل العدوان الإرهابي وأنها قادرة على الثبات إلى تحقيق الانتصار الناجز، وهو ليس ببعيد.
مصطفى المقداد- نصائح متأخرة