الثورة – جاك وهبه:
في سياق مساعٍ متنامية للتحول نحو مشاريع الاستدامة، استقبلت دمشق وفداً من شركة “بيئة” الإماراتية، إحدى أبرز المؤسسات الرائدة في الشرق الأوسط في مجال إدارة النفايات والتحول نحو الاقتصاد الدائري، لبحث فرص شراكات استراتيجية تُعنى بإدخال حلول حديثة في إدارة النفايات وإعادة التدوير.
وتكتسب الزيارة أهميتها في ظل التوجه المتزايد نحو تبني نماذج الاقتصاد الدائري، وهو أحد أبرز الاتجاهات العالمية في إدارة الموارد، إذ يقوم على تحويل النفايات من عبء خدمي وبيئي إلى مورد اقتصادي قابل لإعادة الاستخدام.
ويرتكز هذا النموذج على تقليل الهدر وإعادة تدوير المواد وتطوير تقنيات تعيد إدخال الموارد في دورة إنتاجية مستدامة، بما يسهم في خفض التكلفة التشغيلية وتحسين جودة البيئة.
وتعد مشاريع تحويل النفايات إلى طاقة، والفرز الذكي، وإعادة تدوير مخلفات البناء من أبرز المسارات العملية لنقل سوريا نحو اقتصاد أخضر أكثر كفاءة وقدرة على تلبية احتياجات النمو العمراني والخدمي.
وتأتي زيارة وفد الشركة الإماراتية في وقت تتزايد فيه التحديات البيئية، خصوصاً مع الحاجة الملحة إلى تحديث البنى الخدمية ورفع كفاءة عمليات الجمع والمعالجة وإنتاج الطاقة من النفايات.

تأسيس شراكات
ناقش وزير الإدارة المحلية والبيئة محمد عنجراني، ومدير عام هيئة الاستثمار السورية طلال الهلالي، وممثلون عن شركة “بيئة”، فرص التعاون في مجالات إدارة النفايات، وتعزيز الاستدامة، وجمع النفايات ومعالجتها، إضافة إلى تقديم الاستشارات الفنية وإعادة تدوير مخلفات البناء.
ويرى الخبير في الشؤون الاقتصادية فاخر قربي، أن التقنيات الإماراتية المتقدمة في مجال إدارة النفايات قد تمثل رافعة حقيقية يمكن أن تُحدث تحولاً استراتيجياً في هذا القطاع داخل سوريا، خاصة في دمشق وريفها، حيث تزداد الحاجة إلى حلول مستدامة تتماشى مع التوسع العمراني والمتطلبات الخدمية المتصاعدة.
وقال قربي لصحيفة “الثورة”: إن تبني تقنيات الفرز الذكي وإعادة التدوير القائمة على أنظمة مراقبة وتحليل متطورة، إضافة إلى مشاريع تحويل النفايات إلى طاقة، يشكّل مدخلاً أساسياً للانتقال نحو اقتصاد دائري قادر على إعادة تدوير الموارد وتحويلها إلى قيمة مضافة بدلاً من فقدانها عبر الطمر العشوائي.
وأوضح أن هذه التقنيات تختصر الزمن اللازم لإصلاح قطاع النفايات، وتفتح الباب لإعادة بناء منظومة بيئية واقتصادية أكثر تناسقاً وكفاءة.
بيئة مناسبة
أوضح قربي أن دمشق وريفها تمتلكان عناصر جاهزية مهمة تتيح نجاح هذه التقنيات، فالتراكم الكبير للنفايات والضغط على البنية الخدمية وارتفاع كلف التشغيل التقليدية كلها عوامل تخلق بيئة مناسبة لاعتماد حلول حديثة تعزز الإنتاج المحلي للطاقة وتوفر مواد قابلة للاستخدام في قطاعات البناء والصناعة. كما يسهم إدخال التكنولوجيا الإماراتية في تحسين جودة الهواء وتقليص الانبعاثات، ما ينعكس مباشرة على الصحة العامة ويخفض تكلفة التلوث على الاقتصاد.
وفي حديثه عن فرص الاستثمار، اعتبر قربي أن التعاون بين شركة “بيئة” الإماراتية والجهات السورية يشكل فرصة لإقامة مشاريع استراتيجية قادرة على دفع عجلة التنمية. وتشمل هذه المشاريع إنشاء محطات متكاملة لتحويل النفايات إلى طاقة كهربائية أو حرارية، ومراكز فرز حديثة تعتمد على تقنيات ذكية في فصل المواد القابلة لإعادة التدوير، إضافة إلى مشاريع متخصصة لمعالجة النفايات الطبية والصناعية التي تتطلب معايير دقيقة وحلولاً تكنولوجية غير متوفرة حالياً على نطاق واسع.
سلاسل إنتاج
وأكد قربي أن هذه الاستثمارات لا تنعكس فقط على الجانب البيئي، بل توفر مورداً اقتصادياً قائماً بذاته عبر خلق فرص عمل جديدة، وتأسيس سلاسل إنتاج محلية، وتقليل الاعتماد على المواد المستوردة، ما يعزز صمود الاقتصاد ويزيد من قدرته على التكيّف.
وأشار إلى أن نجاح هذه المشاريع يتطلب معالجة جملة من التحديات، في مقدمتها الحاجة إلى تحديث التشريعات الناظمة لقطاع النفايات، وتطوير آليات الرقابة، وتحسين البنية التحتية الداعمة لها.
ورأى أن تخفيف القيود الإجرائية وتوفير حوافز استثمارية واضحة يسهمان في جذب الشركات الدولية وضمان التزامها بتنفيذ المشاريع وفق المعايير المطلوبة.
وشدد على أن هيئة الاستثمار السورية تمتلك دوراً محورياً في تسريع عملية التحول نحو الاستثمار الأخضر، من خلال تقديم بيئة عمل شفافة، وتسهيل الوصول إلى المعلومات، وتبسيط الإجراءات أمام المستثمرين الراغبين بالدخول في قطاع النفايات والطاقة البديلة.
ولفت إلى أن التجارب الإماراتية مثل مشروع الشارقة لتحويل النفايات إلى طاقة، والمبادرات الرائدة لإنتاج الوقود المشتق من النفايات، تقدم نماذج ناضجة يمكن لسوريا الاستفادة منها مباشرة.
وأوضح قربي أن هذه النماذج تثبت أن تحويل النفايات إلى موارد ليس خياراً ثانوياً، بل مسار تنموي قادر على إعادة تشكيل سوق العمل، وتحسين البيئة، ورفع مستوى الاعتماد على الذات في إنتاج الطاقة والمواد الأساسية، وهو ما تحتاجه دمشق وريفها في المرحلة المقبلة.