الثورة – إخلاص علي:
بعد سنوات من التحديات الاقتصادية والسياسية، دخلت سوريا بعد معركة التحرير مرحلة جديدة من إعادة البناء وإصلاح اقتصادها، إذ لم تعد الأولويات تقتصر على إدارة الموارد فحسب، بل امتدت إلى إعادة هيكلة مفاصل الاقتصاد بما يحقق العدا لالة والشفافية ويضمن استفادة الجميع من النمو.
وفي هذا السياق، بات التركيز على تحويل الاقتصاد من نموذج احتكاري يخدم فئة محددة كما كان الحال خلال حكم النظام المخلوع إلى اقتصاد دولة يعتمد على المؤسسات والكفاءات، خطوة أساسية نحو تحقيق الاستقرار وتعزيز القدرة الإنتاجية وتحسين الخدمات الأساسية للمواطنين.
ويرى الخبير المالي والمصرفي أنس الفيومي، أن هذه المرحلة تتطلب بناء اقتصاد دولة لا اقتصاد أفراد، بحيث تُستبدل عقلية “فلان ملك النفط” و”فلان ملك الحديد” بثقافة مؤسسات متخصصة تمثل كل قطاع بشكل منظم ومهني، وخاصة في مجالات الإعمار والخدمات الأساسية.
ويؤكد الفيومي لصحيفة “الثورة”، أن وجود شركات وطنية متخصصة، مدعومة بسياسات تشجيعية، سيساهم في إحداث قفزة نوعية داخل المجتمع السوري من خلال تحسين نوعية الخدمات، وتخفيض تكاليفها، وخلق فرص عمل حقيقية.
ويضيف أن التوجه الحالي يركز على إنهاء احتكار بعض الأفراد أو الجهات لمفاصل الاقتصاد الأساسية، فمرحلة التحرير لم تكن عسكرية فقط، بل سياسية واقتصادية أيضاً.
ومع انفتاح سوريا على محيطها الإقليمي والدولي، تُفتح الأبواب أمام استثمارات وشراكات جديدة، شرط أن تُدار وفق مبادئ الشفافية والعدالة التنافسية، لا وفق العلاقات الشخصية والمصالح الضيقة.
بيئة أعمال
يتوقع الفيومي أن التحول سيؤدي بطبيعة الحال إلى بيئة أعمال أكثر تنوعاً، تتيح للشركات الوطنية والأجنبية العمل بحرية تحت مظلة القوانين، ما يعزز الثقة بالاقتصاد السوري ويعيد إليه توازنه بعد سنوات من التشوهات البنيوية.
كما يرجح أن تنعكس هذه الإصلاحات على الأسعار ومستوى المعيشة، فالتحرر من الحصرية والخدمات الاحتكارية، بحسب الفيومي، سيؤدي إما إلى انخفاض الأسعار أو على الأقل إلى استقرارها عند مستويات منسجمة مع الدول ذات الاقتصادات الحرة. لكن الأثر الأعمق يرتبط بتحسين دخل الفرد، إذ لا يمكن لأي سياسة أن تنجح دون زيادة القوة الشرائية للمواطن وتوسيع قاعدة المستفيدين من النمو.
وشدد على أن أي انتقال نحو اقتصاد أكثر انفتاحاً يجب أن يترافق مع شبكات أمان اجتماعي فعالة، حتى لا يتحول التحرير الاقتصادي إلى عبء إضافي على الفئات الأضعف دخلاً.
بيئة تنافسية
يرى التاجر سامر العسلي، أن الانتقال إلى نمط الاقتصاد الحر خطوة ضرورية لكنها تحتاج إلى بيئة تنافسية سليمة كي لا تتحول مرة أخرى إلى احتكارات جديدة بأسماء مختلفة.
ويشدد العسلي في تصريح لصحيفة “الثورة” على أن تحرير التجارة والأسعار يجب أن يترافق مع ضبط صارم للغش والتهريب والتهرب الضريبي، لأن التاجر الملتزم بالقانون لا يستطيع الصمود في سوق تكافئ المخالف على حساب المنتج والمستورد النظامي.
ويعتبر أن وضوح القواعد الناظمة للسوق، من رسوم جمركية وضريبية وإجراءات استيراد وتسجيل شركات، هو المدخل الأساسي لجذب رؤوس الأموال السورية في الداخل والخارج، إذ يحتاج المستثمر التجاري إلى استقرار التشريعات أكثر من حاجته إلى الإعفاءات المؤقتة.
القرار الاقتصادي
يرى الصناعي عصام مارديني، صاحب منشأة في قطاع الصناعات الغذائية، أن أكبر مكسب في المرحلة الجديدة هو تحرير القرار الاقتصادي من المزاجيات الشخصية، وفتح المجال أمام المستثمر الذي يراهن على الجودة والإنتاج لا على القرب من مراكز النفوذ.
لكنه يلفت إلى أن الصناعة لا يمكن أن تستفيد من اقتصاد السوق الحر دون تأمين مستلزمات أساسية، وفي مقدمتها طاقة مستقرة بتكلفة معقولة، وتمويل مصرفي حقيقي، وبنية تحتية داعمة قادرة على خفض تكلفة النقل والتأمين.
ويحذر مارديني من أن فتح السوق بشكل غير مدروس قد يعرض الصناعات الناشئة لمنافسة غير متكافئة مع سلع مستوردة أرخص وأكثر دعماً في بلدانها الأصلية، ما يفرض على الدولة الموازنة بين متطلبات الانفتاح وحماية الإنتاج المحلي من الإغراق السلعي.