الثورة – عائشة صبري:
تسعى محافظة حمص إلى إعادة تنظيم قطاعها الصحي بعد سنوات من التراجع الكبير الذي تركته السياسات السابقة في عهد النظام المخلوع، وسط مزيج من المؤشرات التي تجمع بين تحسن تدريجي وشكاوى مستمرة من المواطنين.
وتفيد شهادات من الأهالي بأن بعض المستشفيات والمراكز الطبية شهدت إدخال تجهيزات جديدة وتنفيذ مبادرات علاجية موجهة، إلا أن ضعف الإعلان عنها حدّ من وصول المستفيدين إليها في الوقت المناسب، كما يشير السكان إلى استمرار صعوبات تتعلق بالانتظار في العيادات الحكومية ونقص بعض التحاليل الأساسية، إضافة إلى عدم توافر الأدوية بشكل دائم.

وتتكرر الشكاوى من ارتفاع تكاليف العلاج في القطاع الخاص، ما يدفع المرضى إلى الاعتماد على الجمعيات الخيرية لتغطية جزء من النفقات، رغم ما تتطلبه هذه الإجراءات من وقت وتدقيق، وتظهر شهادات أخرى أن بعض المستشفيات الحكومية تعاني من نقص في خدمات النظافة وغياب بعض العينات المخبرية اللازمة للفحوص الإسعافية، الأمر الذي يدفع المرضى في بعض الحالات إلى اللجوء للمخابر الخاصة.
وتقول رولا العبد الله، من سكان مدينة حمص، لصحيفة “الثورة”: إن الواقع الصحي يعكس مزيجاً من التعافي لما قبل التحرير، منها رفد مستشفى حمص الكبير بأجهزة غسيل كلى، والكثير من المبادرات الطبية، لكن هناك ضعفاً في الإعلان عنها، لذلك لا يعلم المستفيد بها إلا بعد انتهائها، مثل حملة “ابتسامة الحرية” لمعالجة الأسنان التي لم نعلم بها.
وعن العيادات الحكومية بأسعار رمزية، توضح أن المريض يعاني من الانتظار الطويل بسبب الازدحام، وفي حال احتاج تحاليل فلا تتوفر كل الأنواع، ما يدفع المضطر للذهاب إلى عيادة خاصة لكنها مكلفة، كذلك الأدوية غير متوفرة دائماً، إضافة إلى عراقيل الحصول على أكياس الدم من بنك الدم، وسعر الكيس 200 ألف ليرة سورية.

وبالنسبة للمستشفيات الخاصة، فإن أسعارها مرتفعة بدرجة كبيرة، وهناك “جمعيات خيرية تتبرع بجزء من سعر العملية، لكن إجراءاتها معقدة وتطيل رحلة العلاج، وهذا من تجربتي الشخصية مع مرض والدتي بالسرطان”، كما تقول العبد الله.
أما خالد الطير، العائد إلى حمص بعد تهجير دام سنوات في ريف حلب، فيلخص تجربته في المستشفى بحي الزهراء بـ”انعدام خدمات النظافة وانتشار القمامة، وفقدان الأدوية الإسعافية كإبرة مسكن، ونقص العينات في المخبر”، ويشير إلى أنه يمكن إجراء نوع من تحليل الدم، ثم يُطلب من المريض أن يجري تحاليل إضافية في مخبر خاص.
ويضيف لصحيفة “الثورة”: “عندما أخبروني بأنه لا توجد عينات لتحليل بسيط مثل الخضاب والسكر، أخبرتهم بأنني سأتواصل مع مديرية الصحة للإبلاغ عن هذا التقصير، فتم تهدئتي، لتعود الممرضة وتخبرني بأنها وجدت عينة لإجراء التحليل”.
وأشار الطير إلى أن مستشفيي الجامعي والوليد لوحظ تحسنهما بعد تسليط الضوء من المواطنين على رداءتهما، موجهاً رسالة إلى مدير صحة حمص طالبه فيها بالمتابعة والمحاسبة الفورية للمقصرين، وإنقاذ الناس من الهلاك.
الفساد في قطاع الصحة
في لقاء خاص لصحيفة “الثورة” مع مدير صحة حمص، الدكتور عبد الكريم غالي، أكد وجود تفاوت كبير في آلية العمل بين الصحة في الشمال السوري وبين حمص التي تعاني من ترهل وفساد إداري ومالي كبير، إذ قال: إن الفساد كان مقنناً، وخاصة في الرواتب والرشاوى في عهد النظام المخلوع.

وأضاف: “عند استلامي لمديرية الصحة في نيسان/أبريل الماضي، اجتمعت مع الكادر ووضعنا خطة عمل نبتعد فيها عن هذا الفساد، وحين تحصل رشاوى بشكل سري، وليس معلناً كما في السابق، نتابعها لمحاسبة المتورطين، وهنا يقع العاتق على المواطن بأن يشتكي لمديرية الصحة”.
ويصف الواقع الصحي في حمص بأنه “تحسن درجتين من السيئ جداً جداً إلى السيئ”، موضحاً أن في حمص وريفها 19 مستشفى حكومية، إحداها الجامعة التابعة لوزارة التعليم العالي و18 مستشفى لمديرية الصحة، منها 6 في المدينة و12 في الريف، ويوجد 11 مستشفى داخل الخدمة و7 خارج الخدمة، بينها مستشفيان تعرضا لتدمير كلي، منها كتلة 200 سرير ضمن المستشفى الوطني، و11 مستشفى تضرر جزئياً، و3 مستشفيات سليمة، ومستشفيان قيد الإنشاء، مع توقع إحداث 3 مستشفيات إضافية وتأهيل 12 مركزاً صحياً.
كذلك يوجد 219 مركزاً صحياً موزعة على 12 منطقة صحية، 32 مركزاً في المدينة و187 مركزاً في الريف، بينها 34 مركزاً خارج الخدمة و185 داخل الخدمة، ومن مجمل المراكز هناك 4 مدمرة، 2 قيد الترميم، 17 يعمل جزئياً، و166 يعمل كلياً بعد ترميم 12 مركزاً بالكامل و25 مركزاً جزئياً، وتم استحداث مستشفيات مثل مستشفى القصير المتنقل.
3 تحديات أساسية

أوضح مدير الصحة أن التحدي الأول هو تدمير البنى التحتية، فالمستشفى الوطني في حي جورة الشياح خرج عن الخدمة بالكامل بسبب القصف، وتوقف العمل في إكمال مستشفى حمص الكبير في حي الوعر، كما تحولت بعض المستشفيات الحالية من مراكز طبية إلى مستشفيات، مثل مشفيي الزهراء وكرم اللوز، إضافة إلى تحويل مستشفى الوليد من مستشفى للولادة إلى مستشفى عام.
أما التحدي الثاني فهو نقص الأجهزة الطبية وتلف قسم كبير منها بشكل غير قابل للإصلاح، في حين يتمثل التحدي الثالث في نقص الكوادر الطبية، إذ تعاني المحافظة من نقص في الأخصائيين، مع عودة بعض الأطباء المهجرين للعمل، وتدريب الكوادر الفنية والتمريضية، والعمل على توزيعها بشكل متوازن لمعالجة الفوارق بين المراكز التي تعاني فائضاً وتلك التي تفتقر إلى الكوادر.
وأشار غالي إلى أن المنظمات تعدّ العمود الفقري لتحسن القطاع الصحي منذ تحرير حمص، مؤكداً وجود مبادرات مستمرة، كان آخرها حملة “بصر” التي أُجري خلالها 440 عملية جراحية وفحص أكثر من 4000 مريض وتوزيع 1000 نظارة طبية، إضافة إلى حملات سابقة لعمليات القلب وتبديل المفاصل والجراحة العامة، فضلاً عن الدعم المادي لرفد المستشفيات والمراكز الصحية.
وتتجه الدولة إلى رقمنة القطاع الصحي، وقال غالي: “بدأنا منذ شهر بتدريب الكوادر على العمل الإلكتروني، وبالنسبة لشكاوى المواطنين فتحنا بوابة إلكترونية لتقديمها، إضافة إلى الشكاوى الورقية المقدمة لمديرية الصحة والمستشفيات، وأبرزها نقص بعض الخدمات وسوء تعامل بعض الكوادر، خلال 48 ساعة يتم التعامل مع المشكلة ومعالجتها فوراً”.
أما الفجوات المتعلقة بنقص الأدوية الإسعافية، أضاف: “ننتظر حلها خلال الأشهر القادمة، القطاع الصحي مستمر رغم التحديات بسبب زيادة الحاجة مع عودة المهجرين، وفيما يخص عدم وجود مستشفى أطفال، أفاد غالي بأن مستشفى الوليد ستعود لتخصصها بالأطفال عند إكمال مشروع مستشفى حمص الكبير بتمويل من حكومة اليابان، كاشفاً عن زيادة كبيرة في رواتب القطاع الصحي مع العام الجديد، ما يشجع المختصين على العمل ضمن القطاع الحكومي ويزيد من تحفيز الكوادر الحالية.
رسائل مدير الصحة
وجه مدير صحة حمص رسائل عبر صحيفة “الثورة”، وقال للمواطنين: “نحن نشعر بألمكم ونعمل بأقصى ما يمكن لخدمتكم، نطلب منكم الصبر والمساعدة، ونريد إشراككم في العمل من خلال تقديم الشكاوى عند أي إساءة وإرسال مقترحات لتحسين جودة العمل، والحفاظ على النظافة في المرافق الصحية، لنكون معاً في الخندق ذاته”.
وللكوادر الطبية قال: “عليها أن تتعاون معنا بالالتزام بأوقات الدوام وتحسين جودة العمل، نحن داعمون لهم حتى يتحسن الأداء الطبي، وأنا متفائل بنقلة نوعية كما حصل في الشمال السوري”، مشيّداً بتعاون وزير الصحة الدكتور مصعب العلي ومتابعته الممتازة للعمل.
