الملحق الثقافي:حبيب الإبراهيم :
ثمّة أسئلة تُطرح بين وقتٍ وآخر، عن العلاقة العضوية بين الإعلام والثقافة، وهل يمكن للإعلام أن يكون ناجحاً في ظلِّ ثقافةٍ متراجعة، أو بالعكس؟.. هل يمكن للثقافة أن تنهض وتتطور في ظلِّ إعلامٍ تقليدي غير متطور تقنياً وبشرياً؟..
هذه الأسئلة وغيرها، تقودنا إلى طرح أسئلةٍ كثيرة منوعة ومتشعبة: من المثقف الناجح، ومن الإعلامي الناجح؟. هل ثمّة علاقة وترابط بينهما، وهل هناك نجاح للإعلام في ظلِّ ثقافة متراجعة، منحدرة؟. أيضاً، هل هناك انتشار للثقافة وآفاق المعرفة، دون وسائل إعلام متطورة؟.
حتماً، لا يمكن أن يتقدم أحد هؤلاء دون الآخر، فالإعلام والثقافة صنوان، لا يمكن لأحدهما النهوض والاستمرارية بعيداً عن الآخر، إذ لا وجود لإعلامي ناجح، أو مثقف ناجح، إلا من خلال خلفيّة ثقافية أو بيئات ثقافية متعددة، متنوعة، تنطلق نحو آفاق المعرفة المتداخلة والمترابطة، ولا تألُّق لمثقف إلا من خلال إعلام ووسائل إعلامية تعمل بعقلية نظيفة لبناء وعي مجتمعي، وتحصين فكري متصاعد، من خلال محاربة التعصب والتطرف والأفكار الهدامة، التي تعمل مجتمعة على نشر ثقافة الكراهية، وإقصاء الآخر والعمل بشتى السبل والوسائل، لتدمير الإنسان والمجتمع معاً.
صحيح أن الإنسان ابن بيئته، يؤثر بها ويتأثر، لكن الإعلامي الناجح والمثقف الواعي، يتجاوز هذه المقولة الشائعة إلى فضاءات أوسع وأرحب، فالمطلوب من الإعلامي الناجح، أن يتبنى قضايا وطنه ويعمل جاهداً لتحصين مجتمعه والدفاع عن هذه القضايا بالكلمة المسؤولة والصورة الدقيقة، والموقف البنَّاء. مطلوب منه أن يتحرَّر من الزوايا الضيقة والبيئة المغلقة، من شرنقة «الأنا» المحدودة إلى فضاء الـ «نحن» الواسع، كي يزيل كل الغبار والصدأ الذي علق بهذه القضية أو تلك.
ضمن هذه الرؤية والرؤى الاستراتيجية، يأتي دور المثقف الفاعل والإعلامي الناجح مهنياً وأخلاقياً ووطنياً في عملية البناء والتحصين الذاتي، وعليه أن يدرك جيداً ماهية البيئات التي يتعامل معها من كافة النواحي التربوية والنفسية والمجتمعية. عليه أن يفهم طبيعة المجتمعات وطرائق حياتها وتفكيرها، وأساليب عيشها كي يستعد للمواجهة، وحتى يصل إلى هذه الخلاصة أو النتيجة، يُفترض أن يعي جيداً كل الأحداث والمشاكل التي تدور حوله. يدقق فيها بعينٍ بصيرة، وبنظرة ثاقبة، ويفهم جيداً مفاتيح الدخول والحلول الناجعة لهذه المسألة أو تلك. عليه أن يمتلك مفاتيح الحل والربط وتقديمها لأصحاب القرار من جهة، وللرأي العام الذي يعوّل على إعلامه الوطني الكثير الكثير، من جهة ثانية.
لقد شهدت سورية خلال العقد الأخير، أشرس حرب كونية شنّها الأعداء في الخارج، بتواطؤٍ من بعض ضعاف النفوس في الداخل. هذه الحرب طالت الحجر والبشر والشجر، وكان أبرز أذرعها الفاعلة، الإعلام بكل وسائله ومسمياته التي عملت على تضليل وتشويه الرأي العام في الداخل والخارج، فكان لا بد لإعلامنا الوطني، من التصدي لهذه الوسائل ودحض مزاعمها وتقديم المعلومة الصحيحة والدقيقة للرأي العام، وفضح كل المزاعم التي حاول أعداء سورية تسويقها وتمريرها، عبر كلّ ما يملكه هؤلاء الأعداء من محطات وصحف ومراكز إعلامية مجهزة بأحدث الأجهزة والتقنيات الحديثة.
إنها حرب متعددة الأوجه، بعيدة المرامي والأهداف، ولعل المواجهة الفكرية والثقافية والإعلامية -إلى جانب المواجهة العسكرية – كانت الأبرز خلال هذه الحرب، وما فشل الأعداء في تحقيقه عسكرياً، حاولوا وعملوا جاهدين لتحقيقه عبر الحرب الاقتصادية، من حصار وعقوبات ووو.. هذه الإجراءات طالت لقمة عيش المواطن الذي تسلح بالوعي وتحصَّن بالفكر، وأدار هذه الحرب بكل ما يمتلك من قدرات وطاقات إبداعية خلاقة، فأفشل كل المخططات ونجح بجدارة في ترسيخ ثقافة المواجهة والانتصار.. نجح لأنه إعلام دولة وإعلام وطن، يستمد قوته من القيم والإرث الحضاري الإنساني الذي يمتد لآلاف السنين. صحيح أنه لا حرب بلا خسائر أو ثمن، لكن الرابح الأكبر هو الإنسان السوري، الذي رسم بصموده وتضحيات جيشه وحكمة قيادته، ملامح الانتصار.. رسم آفاق المرحلة القادمة على كافة الصعد.. رسمها لأنه المتجذِّر بهذه الأرض الطيبة، التي فاضت خيراً وتسامحاً ومحبة.
إن الإعلام الناجح والثقافة الفعالة، هما عنوان المواجهة والانتصار، وأي تطور ورُقيّ في أحدهما، هو تطور ونجاح للآخر، ومن هنا كانت معادلات الصمود والبقاء، وصوغ آفاق جديدة ورحبة للمستقبل الذي نريده، وننشده لنا وللأجيال القادمة.
باحث
التاريخ: الثلاثاء2-2-2021
رقم العدد :1031