يروى أن مسافراً ما على ظهر فرسه كان يعبر طريقاً طويلاً.. أضناه التعب وهدَّه، جلس لاستراحة قصيرة وأمسك لجام فرسه..
ثمة عابر طريق اقترب منه وبدأ حديثاً معه، أنس به الرجل واحتراماً له لم يمتطِ الرجل صهوة فرسه مشيا معاً… دارت الأحاديث بينهما سأل الوافد صاحب الفرس عن فرسه وعن ترويضه ومهاراته، استفاض الرجل بتعداد مزاياه… مدَّ الوافد يده وأمسك لجام الفرس، وضع يده قرب يد صاحبه… وبعد مسافة قال له: ما أروع فرسنا!! أمن الرجل له وزاد وثوقاً به .. إلى أن قال الوافد له: هل أستطيع أن أجربه؟ ردَّ صاحب الفرس: بكل تأكيد وحين اعتلى الوافد ظهر الفرس أطلق عنانه ليهرب به.
ويروى أن صاحب الفرس ناداه قائلاً: لقد وهبتك الفرس لكن قف لأقول لك نصيحة… توقف الوافد فقال له الرجل: لا تروِ ما فعلت بين الناس لئلا تضيع المروءة بينهم.
هذا التسلل كالنسمة العليلة في صيف قائظ موجود اليوم في الكثير من صور حياتنا، ويتجدد كل يوم بأساليب مختلفة، تبدو ناعمة الملمس، وهذا ما يتقاطع، بل من طبيعة الحروب الناعمة وأساليبها.
سأذهب إلى القول أكثر من ذلك، أخطر ألوان هذا التسلل يكون في المؤسسات المعنية بصناعة الرأي، والتي تدعي أنها تعمل برؤى تنويرية.
يمرر المعنيون بها ممن يجيدون فعل ذلك الأمر قطرة قطرة، خطوة خطوة، وحين يأمنون أنهم قد ترسخوا، حيث هم يزيدون الخطوات إلى أن تكون قد حفرت مجرى يصعب إغلاقه بعد أن يمتد.
هذا موجود وحقيقي وفي استغفال الآخر يظن من ينفذه أنه عبقري، مكشوف ومعروف، وربما تمَّ وخزه مرات عدة مشافهة أو كتابة، لكنه مضى أكثر.
في المشهد الذي نعيشه أكبر من الجرح، ومزق آلامنا أن نترك هذا التسلل الذي يمضي قدماً ويروج لمن كان لا يرى الوطن إلا…
ابحثوا في حبرِ… ستجدوا ذلك… قبل أن يصبح واقعاً، ومن عليائه سيقول لكم: شهيد، طفل، امرأة، وطن… شهيد أي شهيد… أحقاً أنتم… نسامح لو كان يفعل ذلك من غير من عليهم أن يكونوا منارات…. باختصار… الوطن هو الباقي وهم زائفون، ومن لم يكن مع الوطن حين يحتاجه ليس لأحد بحاجة لعبقريته مهما كانت وإعادة غسلهم … ليس المال وحده يغسل… بل بعض من يدعون الثقافة والفكر… يجدون من يعمل على غسلهم بعد أن لوثوا كل ما أنجزوه يوماً.. ورفسوا نعمة الأوطان… معقمات الكون كلها لن تنفع، ولن تقربهم من ضمير من دفع الدم والحياة وغيره كان…
معاً على الطريق-بقلم أمين التحرير- ديب علي حسن