العدوان الأميركي السافر على مناطق في دير الزور، بأمر وتوجيه مباشر من جو بايدن، يعتبر في المقام الأول رسالة واضحة بأن المساس بتنظيم “داعش” الإرهابي خط أحمر بالنسبة للإدارة الأميركية الجديدة، ومن غير المسموح لأحد محاربة هذا التنظيم باعتباره منتجاً أميركياً خالصاً، وكان لـ بايدن الدور المهم في الإشراف على رعايته وحمايته في عهد إدارة أوباما، وهذا العدوان يقطع الطريق أمام كل المراهنين على إمكانية أن تغير الإدارة الجديدة النهج العدائي الذي أفرطت إدارة ترامب السابقة بممارسته.
في التوقيت، جاء هذا العدوان بالتزامن مع تكثيف الجيش العربي السوري وحلفائه عمليات التمشيط في البادية السورية لملاحقة فلول “داعش”، على إثر المعلومات التي تفيد بأن إرهابيي التنظيم يحضرون لهجمات على مواقع الجيش انطلاقاً من قاعدة الاحتلال الأميركي في التنف، وبالتزامن أيضاً مع عمليات الإجلاء المنظمة التي تقوم بها مروحيات الاحتلال لمتزعمي ومرتزقة التنظيم من “السجون” التي تسيطر عليها ميليشيا “قسد” في الحسكة إلى معسكرات التدريب الأميركية في التنف، الأمر الذي يثبت أن إدارة بايدن تسعى لإعادة هيكلة التنظيم الإرهابي والاستثمار في جرائمه مجدداً، وقد سبق لأجهزة استخبارات أميركية وبريطانية وفرنسية أن عقدت عشية تسلم بايدن مقاليد السلطة، سلسلة لقاءات مع متزعمي “داعش” والتنظيمات الإرهابية الأخرى في منطقة التنف، وتم الاتفاق على تنفيذ هجمات إرهابية في سورية، على أن تقوم تلك الأجهزة بعمليات التمويل اللازمة.
ثمة أهداف واضحة للعدوان الأميركي توضح بمجملها ماهية الاستراتيجية العدوانية التي وضعتها إدارة بايدن، أولها حماية “داعش” ليبقى ذريعة أميركية دائمة لإطالة أمد وجودها الاحتلالي، وثانيها تثبيت تموضع إرهابيي التنظيم على طول الحدود السورية العراقية لقطع التواصل بين دول محور المقاومة، وثالثها عرقلة الجيش العربي السوري في استكمال حربه على الإرهاب، لأن اجتثاث هذا الإرهاب يعني القضاء على المشروع الصهيو-أميركي في المنطقة، ورابعها منع أي حل سياسي ينهي معاناة السوريين، فـ”داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى أوراق ضغط وابتزاز، تستثمرها الولايات المتحدة على طاولات التفاوض لمحاولة إنتاج حل يتوافق مع أجنداتها التخريبية، من خلال جعل أدواتها الإرهابية جزءاً من الحل تحت مسمى “معارضة معتدلة”، ولكن يغيب عن بال إدارة بايدن بأن عدوانها السافر لن يحمي إرهابييها، وإنما يزيد من تصميم الجيش العربي السوري على مواصلة ضربهم وسحقهم أينما وجدوا، حتى استكمال تحرير كل شبر أرض من رجسهم، ورجس داعميهم، وهو حق مشروع يكفله القانون الدولي.
إعطاء بايدن أمر شن العدوان، يكذب كل مزاعمه السابقة بشأن نيته العمل على التخلص من إرث سياسة ترامب الإرهابية، حتى أنه لم يعط لنفسه الوقت الكافي لإقناع العالم بصدقية ما روج له لتلميع صورة الولايات المتحدة، فجاء هذا العدوان بعد 35 يوماً على تسلمه السلطة، فماذا سيكون عليه الحال بعد مئة يوم إذاً؟، – والتي يقدم من خلالها الرئيس الجديد ” إنجازاته” وفق العرف الأميركي -، هو يريد من وراء شن هذا العدوان محاكاة سياسة ترامب الذي أمر بشن عدوان مماثل على مطار الشعيرات بعد نحو شهرين فقط من تسلمه الرئاسة، ليبرهن أنه لن يكون أقل عدوانية في تنفيذ السياسات العميقة لنظام الإرهاب الأميركي باستهداف الدول ذات السيادة، في سياق سياسة الهيمنة، ومحاولة إخضاع الشعوب التي يتشبث النظام الأميركي بانتهاجها.
نبض الحدث – ناصر منذر