الثورة اون لا ين – ترجمة ميساء وسوف:
هل يمكن للولايات المتحدة أن تتخلى عن الترويج للديمقراطية من خلال التدخل العسكري أو بمحاولاتها المستمرة للإطاحة “بالأنظمة” بالقوة؟ فقد اتخذت الولايات المتحدة التي تعتقد أن لديها مهمة نشر الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، ولفترة طويلة، التدخل العسكري كأحد الوسائل الرئيسية لفرض الديمقراطية على النمط الغربي على البلدان الأخرى.
من العراق إلى كوسوفو ومن ليبيا إلى سورية لوحت واشنطن بعصا التدخل العسكري تحت ذريعة الديمقراطية والحرية، ولكنها للأسف تركت شعوب تلك البلدان تعيش اضطرابات لا نهاية لها، ومصاعب اقتصادية، وتدهور كبير في سبل العيش، وفي الوقت نفسه أصبحت الولايات المتحدة أيضاً غارقة في مستنقع الحروب الأبدية.
وفي أول خطاب له حول السياسة الخارجية، ركز أنطوني بلينكين، وزير الخارجية الأمريكي على موضوع “التدخلات العسكرية المكلفة” والسياسات التي تهدف إلى تغيير الأنظمة في البلدان الأخرى، وقال إن التدخلات العسكرية الأمريكية السابقة أعطت “لفكرة الترويج للديمقراطية” سمعة سيئة كما أنها فقدت ثقة الشعب الأمريكي، وشدّد على أن الولايات المتحدة يجب أن تجدّد الديمقراطية في الداخل وأن تسعى لقيادة العالم بقوة” القدوة”.
من الجدير بالذكر أن بلينكين أيّد التدخل العسكري الأمريكي الكارثي والقاتل في العراق على أساس الأكاذيب في عام 2003، وقال إن الولايات المتحدة سعت عن حق لتجنب عراق آخر من خلال عدم القيام بالكثير في سورية، لكنها طبعاً ارتكبت خطأً فادحاً في سورية فيما يقارب العشر سنوات من الحرب المدمّرة.
إن تعهد الولايات المتحدة بالتخلي عن التدخلات العسكرية هو مجرد تعديل مؤقت للسياسة من قبل دولة عالقة في مصاعب داخلية وخارجية، ولا يعني ذلك تغييراً جوهرياً، كما يقول زانج تينجون، الزميل الباحث المساعد في معهد الصين للدراسات الدولية:” إن هذا قرارا عمليا يعتمد على حساب تكاليف ومكاسب التدخلات العسكرية”.
على الرغم من أن إدارة بايدن قد وضعت تعزيز الديمقراطية في الخارج في صميم سياستها الخارجية، فإن التكاليف والخسائر التي تتحملها الولايات المتحدة لتعزيز الديمقراطية في البلدان الأخرى من خلال التدخلات العسكرية تفوق تحقيق الفوائد إلى حد كبير.
إن الولايات المتحدة تملك سجلا سيئاً في التدخل العسكري في دول أخرى مع استخدام الديمقراطية كذريعة، وإن رفض إدارة بايدن لهذه الممارسة التقليدية السابقة ليس لأنها تعتقد أن الطريقة خاطئة، فالإدارة الجديدة التي تواجه تحديات رهيبة لإخراج الولايات المتحدة من مأزق عميق مع تفشي الوباء، والقلق الاقتصادي المتفشي، والانقسامات الاجتماعية الخطيرة والاستقطاب السياسي، ترى أن التدخل العسكري ضد الآخرين لا يمكن أن يحقق للولايات المتحدة النتائج المرجوة، وبدلاً من ذلك ستغرق البلاد في نفقات عسكرية لا حصر لها وحروب لا نهاية لها.
ما تحتاجه واشنطن الآن أكثر هو التركيز على التحديات المحلية وتقليل النفقات غير الضرورية قدر الإمكان، لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة ستتخلى كلياً عن التدخل العسكري، وهي لن تتخلى عن طبيعتها في الهيمنة على العالم ككل، فواشنطن تعتبر نفسها مرشدة الديمقراطية العالمية، وحتى أنه في المستقبل، إذا تعافى الاقتصاد الأمريكي وتحسن الوضع العام للبلد بشكل كبير، فسوف يعتبر التدخل العسكري وسيلة فعّالة مرة أخرى.
لكن سياسات بايدن أعطت الأولوية أيضاً لاستراتيجية “أمريكا أولاً”، وعلى الرغم من أنه أعاد التأكيد على قيمة التحالف، إلا أن هدفه هو استعادة القيادة الأمريكية وتوحيد الحلفاء ضد الصين من أجل الحفاظ على الهيمنة الأمريكية.
إن الولايات المتحدة معتادة على السعي وراء المصالح من خلال التدخلات العسكرية تحت ستار الديمقراطية، سواء تخلت عن التدخل العسكري أم لا، فالإدارات الأمريكية المتعاقبة تغير فقط الطرق لتحقيق مصالحها الخاصة. ومن المستحيل أن تتخلى الولايات المتحدة عن عادتها المهيمنة بالتدخل في شؤون الدول الأخرى.
المصدر Global Times