الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
السؤال اليوم هل سيهتم الرئيس الأميركي جو بايدن وفريقه بجدول أعمال حقوق الإنسان في السياسة الخارجية أكثر مما فعل أسلافهم الجمهوريون؟ قبل الإجابة نقول من الواضح أن واشنطن ستستخدم هذه الأجندة بنشاط في التعامل مع خصومها الجيوسياسيين الرئيسيين وخاصةً الصين وروسيا، وستحاول الولايات المتحدة أيضاً تشكيل جبهة غربية موحدة للقيام بمبادرات حول حقوق الإنسان.
ستصبح حقوق الإنسان إحدى الأدوات الأميركية للحفاظ على “الديمقراطيات الليبرالية” في مواجهة ما يُنظر إليه على أنه صعود عالمي للسلطوية غير الليبرالية، ومن المحتمل أيضاً أن نسمع خطاباً قوياً عن حقوق الإنسان صادر عن البيت الأبيض ووزارة الخارجية، كما أننا سنلاحظ العديد من المبادرات الأميركية التي تركز على حقوق الإنسان في المنظمات الدولية، وسنرى أيضاً عقوبات أميركية جديدة تتعلق بحقوق الإنسان ضد موسكو وبكين.
ومع ذلك قد تكون هذه الاستراتيجية أقل نجاحاً مما يتوقعه قادة الولايات المتحدة الجدد، بغض النظر عن الطريقة التي تتعامل بها الحكومتان الروسية والصينية مع قضية أليكسي نافالني أو الاحتجاجات السياسية في هونغ كونغ، فمن غير المرجح أن تستسلم موسكو أو بكين لأي ضغوط تمارسها الولايات المتحدة عليهما.
ستستمر موسكو وبكين في العمل جنباً إلى جنب في عرقلة القرارات التي اقترحتها الولايات المتحدة، وفي احتواء المؤسسات الأميركية والمنظمات غير الحكومية العاملة في مناطق حساسة، وفي مواجهة الهجوم الإعلامي الأميركي القادم على جبهة حقوق الإنسان، ولذلك فإن الضغط المتزايد الذي يمارسه البيت الأبيض لن يؤدي إلا إلى تعزيز الشراكة بين الصين وروسيا.
علاوة على ذلك فإن الحقيقة المطلقة هنا هي أن واشنطن غير مستعدة لتقديم حجة مقنعة بشأن حقوق الإنسان وقضايا الديمقراطية الأوسع لعدة أسباب: أولاً، أميركا نفسها لم تتعافَ تماماً من أزمة سياسية عميقة وطويلة الأمد، فلا يزال الكثيرون داخل الولايات المتحدة يشككون في معايير الانتخابات الرئاسية التي حصلت في تشرين الثاني، وهذا فضلاً عن شرعية قيود المعلومات المفروضة على الرئيس السابق دونالد ترامب وأنصاره من قبل الشبكات الاجتماعية الرئيسية ووسائل الإعلام الليبرالية السائدة في الولايات المتحدة.
وهنا سؤال يطرح نفسه، هل تثبت أعمال الشغب العنصرية العنيفة واسعة النطاق لعام 2020 في البلاد أيضاً الافتراض القائل بأن الولايات المتحدة يمكن أن تعمل اليوم كنموذج عالمي لمراعاة حقوق الإنسان؟!. وهل نظامها الليبرالي مؤهل للدفاع عن حقوق الإنسان؟، وحتى لو استطاع بايدن وفريقه إيجاد الحلول للمشاكل الهائلة في الداخل، فإن حملته الدولية لحقوق الإنسان لن تكون ذات مصداقية كبيرة حتى بالنسبة لمواطنيه.
ثانياً: من السهل على بايدن إثارة قضايا حقوق الإنسان ضد روسيا والصين، أو ضد كوريا الشمالية وإيران، هذه مهمة سهلة جداً وغير مرهقة، ولكن في جميع الأحوال فإن هذه البلدان ليست ولن تكون حليفة للولايات المتحدة أو شريكة لها في أي وقت، ومع ذلك، ماذا عن الأهداف المحتملة الأخرى، مثل تركيا والسعودية؟ حيث يُنظر إلى كل من أنقرة والرياض في واشنطن على أنهما منتهكان صارخان لحقوق الإنسان الأساسية، ولكن من ناحية أخرى، تحتاج واشنطن بشدة إلى الشراكة مع كلتا الدولتين، وهنا تتجه إدارة بايدن إلى منحدر زلق من المعايير المزدوجة والاستخدام الانتقائي لأجندة حقوق الإنسان في السياسة الخارجية، وعندها ستكون هذه الأجندة غير منطقية وغير مقنعة على الإطلاق.
ثالثاً: وعلى الرغم من أن الأجندة الدولية لحقوق الإنسان لا تزال مهمة، إلا أن معظم الشعوب في مختلف البلدان أصبحت تتطلع إلى العدالة أكثر من الحرية، فقبل 20 أو 30 عاماً، كان السعي إلى الحرية هو القوة الدافعة وراء غالبية احتجاجات الشوارع والاضطرابات السياسية، أما اليوم فإن الشعوب تتمرد على الظلم الذي يُعتبر السبب الرئيسي لمختلف الحركات الشعبوية في جميع أنحاء العالم.
لطالما كان التوازن بين السعي إلى الحرية والسعي إلى الإنصاف والعدل ينتقل من جانب إلى آخر، ويشكل دورات سياسية واجتماعية طويلة في تاريخ البشرية، ففي النصف الأول من القرن العشرين، كان يُنظر إلى العدالة والمساواة على أنها أكثر أهمية من الحرية وحقوق الإنسان. وفي هذا السياق، فإن البيان الأخير للرئيس الصيني شي جين بينغ بشأن الانتصار النهائي على الفقر المدقع في الصين قد يفوق كل خطاب من خطابات حقوق الإنسان الصادرة عن الرئيس الأميركي جو بايدن.
المصدر RIAC