الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
منذ تولي إدارة بايدن قبل شهرين حتى يومنا هذا، لم تجد الولايات المتحدة وإيران مخرجا من مأزق القضية النووية، إذ نجد وزير الخارجية أنتوني بلينكن يصرح بأن تخفيف العقوبات مرهون بعودة إيران للامتثال الكامل بالاتفاق النووي المبرم عام 2015، في حين أعلن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف مؤخراً أن إيران لن تتحرك قيد أنملة قبل تحرك الولايات المتحدة التي اعتمدت سياستها على فرضية إرغام إيران للاستسلام، الأمر الذي أكد الواقع فشله.
ويبدو بأن التبعات الاقتصادية للعقوبات قد أخذت بالانحسار من جراء تكيف إيران، إذ دعا المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي لبناء “اقتصاد مقاوم” قادر على الصمود في وجه العقوبات، الأمر الذي بدا جلياً في تطور الصناعة المحلية الإيرانية، كما كان لهبوط قيمة العملة الإيرانية الأثر الفعال في تسريع التحول نحو نظام الاكتفاء الذاتي بالاعتماد على البضائع المصنعة محلياً عوضاً عن البضائع المستوردة الباهظة الثمن.
وبتقديرنا، نرى أن استمرار العقوبات سيفضي إلى إضعاف الضغوط الأميركية نتيجة تكيف الاقتصاد الإيراني مع الواقع الراهن، ورغم تراجع عائدات النفط إلا أنها لا تشكل سوى 15% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني أن إيران باتت أقل اعتماداً على النفط من السعودية وتكساس، علاوة على ذلك، توجهت إيران نحو الصين وفنزويلا لشراء احتياجاتها تهرباً من العقوبات المفروضة عليها.
لقد قوضت عقوبات الولايات المتحدة المصداقية الأميركية، ومن غير المحتمل أن تحقق تلك العقوبات صخباً شعبياً يصب في مصلحة واشنطن، إذ لم يحتج الشعب الإيراني ضد حكومته نتيجة التراجع الاقتصادي الذي حل بالبلاد، بل بينت استطلاعات للرأي أجرتها جامعة ميريلاند مؤخراً في إيران ميلاً نحو شخصيات محافظة، ورفضا متزايدا لتقديم أي تنازلات، وأظهر الاستطلاع أيضا أن 68% من الإيرانيين الذين شملهم الاستبيان يعارضون العودة إلى الاتفاق النووي إلى حين تخفيف أميركا للعقوبات الاقتصادية.
من غير المرجح أن تستسلم إيران أمام الضغوط الاقتصادية المفروضة عليها، ولكن في حال ادعاء الولايات المتحدة نجاحها في هذا الخصوص فإنها ستتكبد خسائر عديدة حتى لو أظهرت خلاف ذلك، وإن كان من الممكن إرغام إيران على الاستسلام، فلماذا لم تستسلم عندما كان تأثير العقوبات أقوى بكثير عام 2018؟ ولماذا لم تتحرك إيران بشأن المفاوضات التي تعرضها إدارة بايدن التي تقدم شروطاً أفضل من سابقتها؟.
لا ريب بأن استمرار العقوبات يشكل خطراً على القوات الأميركية في المنطقة، وخاصة أن لإيران أنصاراً فيها، ويبدو بأن الرئيس بايدن يتبع السياسة ذاتها التي نهجتها إدارة ترامب في عامها الأخير، وقد ثبت أن الضربة الأميركية على سورية لم تحقق النتائج المرجوة في وقف المزيد من الهجمات على القوات الأميركية التي تخاطر بأرواحها لحفظ ماء الوجه في خضم عملية التفاوض.
الجدير بالذكر أن طهران تمثل قوة إقليمية في منطقة تشكل 4% من الناتج الإجمالي العالمي، ويضاف إلى ذلك، بأن الجيش الإيراني قد اتخذ موقف الاستعداد لقتال عدو متفوق مثل الولايات المتحدة وليس لغزو أرض الغير، علماً بأن المواجهة الأميركية مع إيران مكنت دولاً على غرار المملكة السعودية من الاختباء خلف الحصن الأميركي بدلاً من الانخراط بالدبلوماسية.
في ضوء ما ذكر آنفاً، تستطيع الولايات المتحدة تحقيق بعض المزايا بقليل من الجهد، فالدافع وراء استراتيجية إيران الحالية جاء نتيجة الوجود العسكري الأميركي في العراق وسورية وفي جميع أنحاء الخليج، وإذا ما سحبت الولايات المتحدة قواتها الرابضة فإن شرارة الحرب ستنطفئ وعندها لن يكون لدى إيران الدافع للحصول على الصواريخ البالستية وغيرها من أمور، وحتى في حال تمسكها بإتمام برنامجها الصاروخي، فلن تتعرض القوات الأميركية للخطر في حال انسحابها.
في هذا السياق، فإنه ليس لدى الولايات المتحدة ما تكسبه من التلكؤ في العودة إلى الاتفاق، علما أن كلا من إيران والولايات المتحدة قد اتفقتا على مقايضة تخفيف العقوبات مع استئناف الامتثال للصفقة، والشروط معلومة للطرفين على حد سواء.
بالإضافة إلى ذلك ليس ثمة جدوى من المماطلة وخاصة في ضوء تراجع حظوظ الاتفاق وبلوغ الضغط الأميركي ذروته، لذلك ينبغي على واشنطن الاختيار بين غطرستها ومصالحها.
حتى الآن، لم تجرِ إدارة بايدن تعديلاً على الاستراتيجية الفاشلة التي انتهجتها الإدارات السابقة، ولكن من الحري بالولايات المتحدة إلغاء العقوبات، وبذل المساعي للانسحاب من المنطقة، ولاسيما أن الشرق الأوسط لم يعد يشكل أهمية بالنسبة للأمن الأميركي كما تدعي واشنطن، مع الأخذ بالحسبان بأن انتشار القوات الأميركية يهدد بجر الولايات المتحدة إلى خطر الغوص في مستنقع آخر، الأمر الذي يستدعي من إدارة بايدن أخذ العبر من أخطاء إدارة ترامب وتجنب تكرارها.
المصدر: مجلة the American Conservative