تميزت نظرية البعث وأهدافه بوضوح في عناوينها الكبرى المتمثلة بالوحدة العربية والحرية والاشتراكية إضافة إلى مرونة في مقاربتها وآليات تحقيقها ما أكسب تلك الأهداف قدرة على إمكانية التحقق عبر مسيرة طويلة ومستمرة أمضاها حزب البعث في قيادة السلطة في سورية منذ عام 1963وحتى الآن فاستطاع خلال العقود الستة من الحكم من تحقيق العديد منها ولاسيما الجانب المتعلق بهدفي الحرية والاشتراكية وفق فلسفته وفهمه لهما وهو فهم لا يتطابق مع التعريف الليبرالي لمسألة الحرية أو التعريف الصلب للاشتراكية وفق النظرية الماركسية فثمة طريق عربي للاشتراكية وفق أدبيات البعث فنحن أمام طريق ثالثة اختطها البعث في فلسفته للأهداف التي اشتغل وعمل على تحقيقها خلال مسيرته التاريخية.
لقد كانت ولادة حزب البعث العربي الاشتراكي بداية مسار منظم للفكرة القومية العربية وخريطة طريق لمسار حركة التحرر العربية والمنارة التي اهتدت بها التيارات القومية العربية على امتداد الساحة العربية لأن البعث منذ ولادته عام سبعة وأربعين وتسعمائة وألف كان قضية وفلسفة قومية وحالة حضارية قبل أن يكون حزباً في السلطة وفق رؤية الرفيق بشار الأسد في المؤتمر القطري العاشر للحزب المنعقد عام 2005 ولعلّ هذه السمة القومية هي التي تفسر أنه امتد رحيباً في الساحة العربية وضم في صفوفه الملايين من المنتسبين إليه والمناضلين في سبيل تحقيق أهدافه النبيلة ،إن استعراضاً موضوعياً وقراءة متأنية لتاريخ الحزب منذ بدايات تأسيسه وحتى الآن تجعل القارئ المحايد بعيداً عن أي عصاب سياسي أو أيديولوجي يضع الحزب في مقدّمة الحركات والتنظيمات السياسية التي استطاعت أن تحقق الكثير من أهدافها وأن تواكب التطورات التي أصابت الفكر السياسي العالمي على الرغم من ضخامة وجسامة التحديات التي واجهت الحزب سواء كان خارج السلطة أو داخلها وهذا يعكس حقيقة امتلاكه لفكر مرن ومتجدد وقدرة عالية على الاستجابة النوعية للتطورات التي أصابت بنية المجتمع العربي وطبيعة التحديات التي واجهته عبر مسار تاريخي فيه من المعوقات والمنغصات والخيبات بقدر ما فيه الكثير من الإنجازات والنجاحات والانتصارات .
لقد استطاع الحزب ومن خلال امتلاكه لقاعدتين واسعتين جماهيرية وتنظيمية في أكثر من قطر عربي وخاصة في سورية منطلق فكره وتأسيسه إضافة لحمله رسالة حضارية لاسيما وقد توفرت له قيادة تاريخية ممثلة بالقائد المؤسس حافظ الأسد أن يواجه قوى استعمارية ومشاريع عدوانية وتيارت وتنظيمات رجعية مرتبطة بالقوى الخارجية ومتموضعة في استراتيجياتها ويهزمها وينتصر عليها ما وضعه في مقدّمة فصائل الثورة العربية ويجعل من سورية عنواناً للعروبة ودمشق قلبها النابض وعقلها المفكر ومن الشعب السوري القدوة والأمثولة في المقاومة والنضال والكرامة الوطنية .
لقد تعاظم الدور الجماهيري للحزب بشكل كبير بعد قيام ثورة الثامن من آذار في قطرنا العربي السوري وتعززت إنجازاته على كافة الصعد الداخلية والخارجية وتمكنت سورية بفضل قيادة السيد الرئيس بشار الأسد وخطاب التطوير والتحديث الذي انتهجه وشكّل إضافات هامة إلى إنجازات الحزب واستمرار الخط المقاوم للعدو الصهيوني ومواجهة المشاريع الاستعمارية التي تستهدف الأمة العربية أن تحقق نجاحات هامة على هذا الصعيد وغيره ما جعلها وطنا وحزبا وقيادة في دائرة الاستهداف من قوى استعمارية ومن تحالف معهما من تيارات رجعية وظلامية في أكثر من مكان على الساحة العربية ولعل ما يؤكد ذلك هو تلك المؤامرة الكبرى التي يتعرض لها وطننا الغالي سورية منذ أكثر من عشر سنوات حيث تتكالب تلك القوى وبشكل غير مسبوق بهدف إسقاط تلك القلعة المقاومة وإخماد شعلتها القومية التي تشكّل نبراسا لكلّ الشرفاء والمناضلين على امتداد الساحة العربية تنبئنا دروس التاريخ بما فيها من عبر ودلالات أن لا عودة للوراء في مسار الأمم والشعوب الحية وأن الحياة حركة باتجاه المستقبل فلا تراجع أو حركة التفافية في المكان هذه الحقيقة التاريخية لم ولن يستوعبها أولئك المنخرطون في المؤامرة الدولية الكبرى على سورية وشعبها لقصور في رؤيتهم وحالة سياسية جنينية يعيشونها ولا يستطيعون الخروج منها ومن هنا يأتي إيماننا وقناعتنا بأن النصر والنجاح في القضاء على المؤامرة والخروج من الأزمة هو حاصل لا محالة مهما حاول أولئك اللاهثون وراء السراب إشاعته من أكاذيب ورفعه من شعارات مضللة واستعانوا به من قوى غاشمة تحمل في مخيلتنا وذاكرتنا الجماعية صورة العدو .
إن الذكرى الرابعة والسبعين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي تمثل بالنسبة لنا ولكلّ الشرفاء على امتداد الساحة العربية مناسبة قومية ووطنية تعطينا المزيد من القوة والثقة بالنفس والإصرار والعزيمة على إلحاق الهزيمة ليس فقط بالمؤامرة والمتآمرين وإنما بالثقة بالنصر والنجاح في تحقيق الأهداف التي أمنا بها جميعا وهي الوحدة العربية والحرية والعدالة الاجتماعية والرفاه الاجتماعي والنجاح في الخروج من الأزمة وفق رؤية وطنية وحوار داخلي وحل سوري -سوري يشارك فيه الجميع على اختلاف مشاربهم السياسية سواء كانوا في السلطة أو المعارضة الوطنية التي تحتكم إلى الشارع السوري وخياراته لا إملاءات ومصالح القوى الخارجية أياً كانت ما يفسح في المجال لإعادة بناء جديد لسورية وطن وبيت الجميع .
إضاءات- د.خلف المفتاح